بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
التأمين التجاري الذي تجريه معظم شركات التأمين هو من العقود المحرمة ، سواء كان تأميناً على الحياة أو الممتلكات أو غير ذلك ويدل على حرمته مجموعة من النصوص والقواعد الشرعية ، منها :
***التأمين عقد من عقود الغرر وعقود الغرر ممنوعة محرمة شرعاً
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الغرر) .
والغرر في اللغة هو الخطر الذي لا يُدْرى أيكون أم لا؟ كبيع السمك في الماء والطير في الهواء ، فإن ذلك قد يحصل للمشتري وقد لا يحصل .
قال النووي :
"وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع , وَيَدْخُل فِيهِ مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة كَبَيْعِ الْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول وَنَظَائِر ذَلِكَ, وَكُلّ هَذَا بَيْعه بَاطِل لِأَنَّهُ غَرَر مِنْ غَيْر حَاجَة.
واتفق العلماء على أن الغرر الكثير لا يجوز ، وأن القليل يجوز ويتسامح فيه ، واختلفوا في أشياء من الضرر لترددها بين الكثير والقليل
وعقد التأمين من العقود المشتملة على الغرر الكثير ورجال القانون أنفسهم يقرون بأن عقد التأمين عقد احتمالي وهذا هو معنى الغرر ، لأن كلاً من المؤمِّن والمؤَّمن له لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ ، فقد يدفع المؤمَّن له قسطاً واحداً ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم المؤمِّن به ، وقد لا تقع الكارثة مطلقاً فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً
***عقود التأمين من القمار
والقمار هو الميسر ، وقد حرمه الله تعالى بقوله : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
ومعنى "القمار" : أن يدفع الإنسان شيئاً من ماله على سبيل المخاطرة ، فإما أن يربح أكثر منه وإما أن يخسر المال الذي دفعه
وعقد التأمين عقد معلق على خطر تارة يقع ، وتارة لا يقع ، فهو قمار في المعنى
لأن المؤمَّن له يخاطر بدفع مبلغ التأمين، فإما أن يأخذ أكثر منه وإما أن يخسره إذا لم يحصل الخطر المؤمن ضده
***التأمين يتضمن ربا النسيئة والفضل، وذلك في حالة التعويض
روى مسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)
ففي هذا الحديث دليل على أنه إذا باع الذهب بالذهب وجب في البيع التساوي والتقابض
فيبيع جراماً بجرام من غير زيادة. ويجب التقابض في المجلس فلا يجوز أن يتفرقا ولم يقبض كل منها حقه
فإذا باع الذهب بذهب مع التفاضل فقد وقعا في ربا الفضل وإذا لم يحصل تقابض فقد وقعا في ربا النسيئة أي التأخير لتأخير القبض
وإذا باع الذهب بالفضة وجب التقابض في المجلس، وجاز التفاضل في البيع
فيبيع جرام الذهب بعشرة جرامات فضة مثلا ، ولكن لا يجوز أن يتفرقا من غير أن يتم التقابض
والأوراق النقدية تأخذ حكم الذهب والفضة في ذلك فلا يجوز تبديل عملة بأخرى إلا إذا تم التقابض في المجلس وإذا كانت العملة من جنس واحد ، فيجب التماثل والتقابض كما لو أبدل ذهباً بذهب
والتأمين مشتمل على الربا بنوعيه:ربا الفضل وربا النسيئة
وبيان ذلك:أن ما تدفعه شركة التأمين للمستأمن أو لورثته عند حصول الخطر المحدد في العقد، له ثلاث حالات: إما أن يكون أقل أو أكثر مما دفعه أو يكون مساوياً له
وفي كل ذلك يكون دَفْعُ الشركةِ لصاحب الحق واقعاً بعد دفعه أقساط التأمين بفترة هي في الحقيقة مجهولة النهاية
فحقيقة المعاملة: أنها بيع دراهم بدراهم إلى أجل
فعند التساوي يكون فيه ربا النسيئة وفي حالة الزيادة [أو النقص] يكون فيه ربا الفضل والنسيئة معاً، وكل منهما محرم بانفراده فيكف إذا اجتمعا
***التأمين من أكل أموال الناس بالباطل
وأكل أموال الناس بالباطل حرام
قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)
والباطل هو كل طريق لم تبحه الشريعة فيدخل فيه السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا والبيوع الفاسدة . قاله أبو حيان في تفسيره لهذه الآية
وبيان اشتمال عقد التأمين على أكل المال بالباطل: أن مبلغ التأمين المدفوع للشخص المؤمَّن له إذا كان أكثر مما دفعه كما لو حدث الخطر بعد دفع قسط واحد فبأي حق يستحق هذا المال ؟
وإذا لم يحدث الخطر فبأي حق تستحق شركة التأمين الأقساط
التي دفعها المؤمَّن له بدون مقابل صحيح