بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الحب فى الله والبغض فى الله , والموالاة فى الله والمعاداة فى الله .. الحب فى الله أن تحب الله – تعالى – ورسوله صلى الله عليه وسلم وتحب بحبهما المؤمنين , قال - تعالى - : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" ( المائدة : 55 ) .
والبغض فى الله أن تكره الكفر والكافرين والشرك والمشركين والفسق والفاسقين , حتى ولو كانوا أقرب الأقربين إليك , قال – تعالى - : " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ " ( الممتحنة : 4 )
وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح .. أمين هذه الأمة .. حقق هذا الأصل العظيم يوم بدر .. أصل الموالاة فى الله والمعاداة فى الله .. هذا الأصل الذى يقول عنه العلماء : الولاء والبراء هو المقياس العملى والحقيقى للتوحيد الخالص .
" عاش أبو عبيدة تجربة المسلمين القاسية فى مكة منذ بدايتها إلى نهايتها , وعانى مع المسلمين السابقين من عنفها وضراوتها , وآلامها وأحزانها ما لم يعانه أتباع دين على ظهر الأرض , فثبت للابتلاء , وصدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فى كل موقف .
لكن محنة أبى عبيدة يوم " بدر "فاقت فى عنفها حسبان الحاسبين وتجاوزت خيال المتخيلين .
انطلق أبو عبيدة يوم بدر يصول بين الصفوف صولة من لايهاب الردى , فهابه المشركون , ويجول جولة من لا يحذر الموت , فحذره فرسان قريش , وجعلوا يتنحون عنه كلما واجههم ..
لكن رجلا واحدا منهم جعل يبرز لأبى عبيدة فى كل اتجاه , فكان أبو عبيدة يتحرف عن طريقه ويتحاشى لقاءه .
ولج الرجل فى الهجوم وأكثر أبو عبيدة فى التنحى , وسد الرجل على أبى عبيدة المسالك ووقف حائلا بينه وبين قتال أعداء الله , فلما ضاق به ذرعا ضرب رأسه بالسيف ضربة فلقت هامته فلقتين , فخر الرجل صريعا بين يديه .
لا تحاول – أيها القارىء الكريم – أن تخمن من يكون الرجل الصريع .. أما قلت لك : إن عنف التجربة فاق حسبان الحاسبين وجاوز خيال المتخيلين ؟ .. ولقد يتصدع رأسك إذا عرفت أن الرجل الصريع هو عبد الله بن الجراح والد أبى عبيدة .
لم يقتل أبو عبيدة أباه , وإنما قتل الشرك فى شخص أبيه .
فأنزل الله – سبحانه – فى شأن أبى عبيدة وشأن أبيه قرآنا , فقال – علت كلمته :
" لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " ( المجادلة : 22 ) .
لم يكن ذلك عجيبا من أبى عبيدة , فقد بلغ من قوة إيمانه بالله ونصحه لدينه , والأمانة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم مبلغا طمحت إليه نفوس كبيرة عند الله " .
فاختاروا – إخوتاه – من يسركم فى القيامة أن يكونوا معكم وتكونوا معهم , وابتعدوا عن طريق الصادين عن سبيل الله الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا .. تبرءوا من الفسقة الفجرة حتى لا يجمعكم الله بهم .. اتركوا الاختلاط بهم , واتركوا التشبه بهم فى الأعياد والاحتفالات والملبس والهيئة , واستعمال كلماتهم التى يكرهها الله
تعلموا العقيدة أولاً ثم العبادات حققوا التوحيد الخالص لله أولاً أعلنوا البراءة من الشرك والمشركين ولا تركنوا للظالمين العقيدة أولاً.. أولاً.. أولاً!
قال – تعالى - : " وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ "
( هود : 113 ) .. فالآية : " فيها دليل على وجوب هجران أهل الكفر والمعاصى , وأهل البدع والأهواء , فإن صحبتهم كفر أو معصية , إذ الصحبة , لا تكون إلا عن مودة " .
إخوتاه , الطريق إلى الله لابد فيها من البعد عن المثبطين المقعدين الذين ركنوا إلى حب الدنيا والتذوا بها , فأحبوا المؤمنين الطائعين الطاهرين يعينوكم على الوصول , ويهونوا عليكم مشاق الطريق .
أخى فى الله أحبب لله , واكره لله , فبهذا الأصل اختر حبيبك من ها هنا , واعلم أن المسافر إلى الله يحتاج ولابد إلى رفقة صالحة وصحبة طيبة ..
أخى فى الله , المرء مع من أحب , فمن تحب ولماذا ؟
اللهم ارزقنا حبك , وحب من أحبك , وحب كل عبد صالح يحبك , وحب كل عمل يقربنا إلى حبك .. اللهم اجعل حبك أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا ومن الماء البارد على الظمأ .. اللهم واجعلنا ممن أحببتهم فرضيت عنهم .. اللهم وكما جمعتنا على حبك فى الدنيا اجمعنا فى جناتك