الشَّامِلُ لِرُؤَى المَهْدِيِّ
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الشَّامِلُ لِرُؤَى المَهْدِيِّ

مُنتَدَى إِسْلَامِيٌّ سُنِّيٌّ يُعْنَى بِجَمْعِ رُؤَى المَهْدِيِّ وَ تَعْبِيرِهَا و تَرْتِيبِهَا مَعَ بَيَانِ الرُّؤَى المَكْذُوبَةِ وَ الوَاهِيَةِ
 
الرئيسيةس .و .جبحـثأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» الحمد لله رؤيا مبشرة
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyأمس في 11:43 pm من طرف صقر بني يس

» اسمع يا مؤمن.. والله المستعان!
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyأمس في 7:40 pm من طرف رُقيّة..

» “ غـزة : غـربـال الـعـالـم “
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyأمس في 6:40 pm من طرف رُقيّة..

» وقال سيظل المهدى محفوظا ومخفيا بقول كهيعص
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyأمس في 7:18 am من طرف احمد المفلح

» المهدي مغربي
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyأمس في 6:06 am من طرف احمد المفلح

» “ أثار أسماء الله الحسنى”
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyأمس في 2:27 am من طرف رُقيّة..

» المهدي والشمس
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأربعاء مايو 15, 2024 9:46 pm من طرف محمد حسين

» تحذير هام لمن يهتم
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأربعاء مايو 15, 2024 2:51 pm من طرف محمد حسين

» مالذي يمنع الإنسان ان يكون على بصيرة؟
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأربعاء مايو 15, 2024 2:12 pm من طرف رُقيّة..

» الجوهرة الحمراء
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مايو 14, 2024 9:48 pm من طرف راجي عفو ربه

» من أدب الأكـابـر ‼️
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مايو 14, 2024 4:56 pm من طرف ياسر 337

» رايت ان ابني جاء من عند الرسول
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مايو 14, 2024 12:43 pm من طرف الحق مذهبي

» المهدي يتنكر في زي لا يخطر على بال أحد ورجال الأمن يركضون وراءه
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مايو 14, 2024 9:00 am من طرف راجي عفو ربه

» وجِئۡتَ عَلَىٰ قَدَرࣲ یَـٰمُوسَىٰ
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مايو 14, 2024 6:57 am من طرف ياسر 337

» عندما يصير الكرتون بخمسين
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مايو 14, 2024 6:00 am من طرف ذات النطاقين

» روما فلسطين
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مايو 14, 2024 5:58 am من طرف ذات النطاقين

» اسم المهدي يواطئ شكل الحصان
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مايو 14, 2024 4:22 am من طرف محمد حسين

» لقد اصبتَ ذنبا عظيما فاستغفر علك يغفر لك .
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مايو 14, 2024 2:41 am من طرف محمد حسين

» فرنسا ووعد الآخرة
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مايو 14, 2024 12:06 am من طرف محمد حسين

» ذهب سائل
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالإثنين مايو 13, 2024 4:27 pm من طرف ذات النطاقين

» المهدي سيطهرك الله مثل القدس
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالإثنين مايو 13, 2024 3:43 pm من طرف محمد حسين

» المهدي المنتظر و الجزائر
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالإثنين مايو 13, 2024 2:40 pm من طرف محمد حسين

» ايطاليا
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالإثنين مايو 13, 2024 2:27 pm من طرف محمد حسين

» يأجوج ومأجوج
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالإثنين مايو 13, 2024 7:23 am من طرف احمد المفلح

» وقوع الرؤى و اسباب " التأخر"
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالإثنين مايو 13, 2024 2:16 am من طرف محمد حسين

» ورقة المهدي
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأحد مايو 12, 2024 9:20 pm من طرف محمد حسين

» المهدي ورجل يلبس البياض وعلى رأسه تاج
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأحد مايو 12, 2024 7:13 pm من طرف راجي عفو ربه

» ورود
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأحد مايو 12, 2024 12:52 pm من طرف ياسر 337

» وعد الله
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأحد مايو 12, 2024 3:37 am من طرف محمد حسين

» نور القمر
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأحد مايو 12, 2024 3:31 am من طرف محمد حسين

» المهدي اسمه : محمد بن عبد الله
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأحد مايو 12, 2024 2:59 am من طرف محمد حسين

» قولي للمهدي يستعد
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأحد مايو 12, 2024 2:33 am من طرف محمد حسين

» القمر قد إقترب من الأرض
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأحد مايو 12, 2024 2:19 am من طرف محمد حسين

» الجواهر التي تحت العرش
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأحد مايو 12, 2024 1:46 am من طرف محمد حسين

» رؤيا عن مكة " مطر به احجار "
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالسبت مايو 11, 2024 11:07 pm من طرف محمد حسين

المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 2 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 2 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 283 بتاريخ الأحد يوليو 04, 2021 7:25 am

 

 موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4
كاتب الموضوعرسالة
زائر
زائر
Anonymous



موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين   موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالخميس مارس 25, 2021 11:48 am

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :


السلام عليكم
اطرح لكم اليوم موضوع نقاشي وليس حواري للأستفاده
لي ولكم وللقاري وموضوعنا هو قتل المدنيين كانوا شيعه
او كفار ، نرى بعض شبابنا اليوم يفجرون ويقتلون من المدنيين
في بلاد اسلاميه او بلاد كافره ، فأنا منذ صغري الى يومنا هذا
لم اقف على علم شرعي بقتل الأبرياء من مدنيين كانوا شيعه او كفار انما
ترسل الجيوش للفتوحات وقتال جيش بجيش يقاتل المحاربين
الكفار وتفتح بلدانهم وتفرض على شعوبهم الجزيه ولم اعلم ان
المسلمين استباحوا اي مدينه يدخلوها وقتلهم الأبرياء
فمن وجد منكم اي رأي مخالف لكلامي فليطرحه لنستفيد منه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
زائر
زائر
Anonymous



موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين   موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأحد مارس 28, 2021 10:15 am

الجنوبي كتب:
غربه غريبه كتب:
اقتباس ( اتفق الفقهاء على أن دم الكافر الحربي ـ وهو غير الذمي، والمعاهد، والمؤمن ـ مهدر، فإن قتله مسلم فلا تبعة عليه إذا كان مقاتلا، أما إذا كان الكافر الحربي غير مقاتل كالنساء، والصبيان، والعجزة، والرهبان وغيرهم ممن ليسوا أهلا للقتال أو لتدبيرها، فلا يجوز قتله، ويعزر قاتله، إلا إذا اشترك في حرب ضد المسلمين، أو أعانهم برأي، أو تدبير، أو تحريض.)  أنا فهمت من هاذا الكلام وصححوا لي إن أخطأت يعني إذا صارت حرب مثلا بين مصر والبرازيل فإن جميع البرازيليين بالنسبه لمسلمين مصر يصبحون كفار حربيين ودمهم هدر جميعا إلا غير المقاتلين منهم أي غير قادرين على القتال كالنساء والأطفال والشيوخ والفلاليح فلا يهدر دم هاؤلاء إلا إذا شاركوهم الحرب او اعان برأي أو تدبير أو تحريض فهل فهمي صحيح ؟

جميل اخي غربه هذا الكلام وربما يتوافق مع تفكيري
وفهمت منه ان الحربي الكافر المقاتل ومن عاونه مهدور الدم
وان الرجل الكافر الذي ليس محارب فدمه ليس مهدور







الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين   موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالإثنين مارس 29, 2021 6:21 am

أصناف من يُقاتلون وأحكام قتالهم
(من يُقاتلون من الكفار)
أنواع الكفار عند الفقهاء:
من المقرر في الشريعة الإسلامية أن الكفار وإن اشتركوا في الكفر، فإنهم يختلفون تبعاً لأحوالهم من حيث المحاربة والمسالمة. وبناءً على هذا، قسم الفقهاء الكفار إلى عدة أنواع، وذكروا لكل نوع الأحكام المتعلقة به، وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً: أنواع الكفار من حيث المذهب:
النوع الأول: اليهود والنصارى والمجوس: وهؤلاء يجب قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون قال تعالى: ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) [التوبة29]. صاغرون أي أذلاء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في المجوس: “سنوا بهم سنة أهل الكتاب” (رواه البيهقي في سننه)، وقد روى البخاري “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر”.
قال ابن قدامة: ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في هذين القسمين (يعنى أهل الكتاب والمجوس) في قبول الجزية منهم وإقرارهم على دينهم. (ينظر: المغنى: 8/362).
النوع الثاني: من غير أهل الكتاب والمجوس، مثل عبدة الأوثان ومن عبد من استحسن: اختلف الفقهاء في حكهم على مايلي:
1 – عند أبي حنيفة، وهو رواية عن أحمد: تقبل الجزية من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب.
2 – عند مالك: تقبل الجزية من جميع الكفار.
3 – عند الشافعي وأحمد في ظاهر الرواية: لا تقبل منهم الجزية، بل لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل. (ينظر: بدائع الصنائع 8/110-111، والمغنى 8/263 – مختصر خليل 117 وشرحه وحاشية الدسوقي- ورضة الطالبين 10/305 ).
قال ابن القيم رحمه الله: فلما نزلت آية الجزية أخذها صلى الله عليه وسلم من ثلاث طوائف من المجوس واليهود والنصارى، ولم يأخذها من عباد الأصنام، فقيل لا يجوز أخذها من كافر غير هؤلاء ومن دان بدينهم إقتداءً بأخذه وتركه، وقيل بل تؤخذ من أهل الكتاب وغيرهم من الكفار كعبدة الأصنام من العجم دون العرب، والأول: قول الشافعي -رحمه الله- وأحمد في إحدى روايتيه، والثاني: قول أبي حنيفة، وأحمد -رحمهما الله- في الرواية الأخرى وأصحاب القول الثاني يقولون: إنما لم يأخذها من مشركي العرب لأنها إنما نزل فرضها بعد أن أسلمت دار العرب ولم يبق فيها مشرك فإنها نزلت بعد فتح مكة ودخول العرب في دين الله أفواجاً فلم يبق بأرض العرب مشرك، ولهذا غزا بعد الفتح تبوك وكانوا نصارى، ولو كان بأرض العرب مشركون لكانوا يلونه وكانوا أولى بالغزو من الأبعدين، ومن تأمل السير وأيام الإسلام علم أن الأمر كذلك فلم تؤخذ منهم الجزية لعدم من يؤخذ منه لا لأنهم ليسوا من أهلها، قالوا وقد أخذها من المجوس وليس بأهل كتاب، ولا يصح أنه كان لهم كتاب ورُفع، وهو حديث لا يثبت مثله ولا يصح سنده، ولا فرق بين عباد النار وعباد الأصنام، بل عباد الأوثان أقرب حالاً من عباد النار وكان فيهم من التمسك بدين إبراهيم ما لم يكن في عباد النار أعداء إبراهيم الخليل فإذا أخذت منهم الجزية فأخذها من عباد الأصنام أولى، وعلى ذلك تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في صحيح مسلم أنه قال: “إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى خلال ثلاث، فأيهن أجابوك إليها فاقبل منهم وكف عنهم ثم أمره أن يدعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو يقاتلهم”.(ينظر: الزاد: 2/80).
والذي في صحيح مسلم وشرحه أنه يدعوهم إلى الإسلام والهجرة أو الإسلام مع البقاء في بلادهم ويكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله ولا يكون لهم في الفيء نصيب إلا أن يقاتلوا مع المسلمين أو الجزية، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، فيظهر من هذا أن القول الراجح قبول الجزية من جميع كفار العالم اليوم، خاصة أنه لا يوجد الآن مشركون عرب، بل من كان منهم كافراً فهو مرتد أو من أهل الكتاب (ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم: 12: 38).
النوع الثالث: المرتدون: وهؤلاء لا يقرون على الجزية بالإجماع، بل لا يقبل منهم إلا الإسلام أو القتل، والخلاف في المرأة المرتدة هل تقتل أم تحبس حتى تسلم أو تسترق، وقتلها قول الجمهور لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من بدّل دينه فاقتلوه”[متفق عليه]. قال ابن حجر: وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدت والصحابة متوافرون فلم ينكر أحد عليه، وقد أخرج ذلك كله ابن المنذر، وأخرج الدارقطني أثر أبي بكر من وجه حسن، وأخرج مثله مرفوعاً في قتل المرتدة لكن سنده ضعيف وقد وقع في حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له: “أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها” وسنده حسن، وهو نص في موطن النزاع فيجب المصير إليه.(ينظر: الفتح: 12/72).
والقول بالاسترقاق منقول عن علي، فإنه استرق من سبي بني خليفة أم ولده محمد، المعروف بابن الخليفة، قال الخطابي: ثم لم ينقض عهد الصحابة حتى أجمعوا على أن المرتد لا يُسبى.
أما المرتد فلا خلاف في وجوب قتله، والخلاف في استتابته، والراجح عند الجمهور وجوبها وعند البعض استحبابها، وإليه مال البخاري.
هذه الأنواع الثلاثة يلزم قتالهم باتفاق العلماء، وأما الواحد المقدور عليه من الطوائف الثلاثة فقد بينا حكم المرتد والمرتدة، وأما الكفار الأصليون فالرجال الأحرار البالغون يخيّر فيهم الإمام أو أمير الجيش تخيير مصلحة، ويفعل الأحظ لأهل الإسلام من قتل أو من فداء بأسرى مسلمين أو مال أو استرقاق، فإن خفي الأحظ حبسهم حتى يظهر، وقيل لا يسترق وثني وكذا عربي وهذا مرجوح، ولو أسلم أسير عصم دمه وبقى الخيار في الباقي (ينظر: الروضة للنووي). (ينظرللتوسع: فتح الباري 12/267 – روضة الطالبين 10/75 – بدائع الصنائع 4/301 – حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/301 – المغنى 8/125). ويكتفي في هذه الأنواع بذكر الأحكام من دون التعرض إلى التعريفات، لشهرتها، وأما في الأنواع الآتية فستذكر التعريفات أيضاً.
ثانياً: أنواع الكفار من حيث الحرب وغيره:
قال ابن القيم: “الكفار إما أهل حرب، وإما أهل عهد، وأهل العهد ثلاثة أصناف: أهل ذمة، وأهل هُدنة، وأهل أمان، وقد عقد الفقهاء لكل صنف باباً، فقالوا: باب الهدنة، باب الأمان، باب عقد الذمة. ولفظ الذمة والعهد يتناول هؤلاء كلهم في الأصل، وكذلك لفظ الصلح. فإن الذمة من جنس لفظ العهد والعقد، وهكذا لفظ الصلح عام في كل صلح، وهو يتناول صلح المسلمين بعضهم مع بعض، وصلحهم مع الكفار. ولكن صار في اصطلاح كثير من الفقهاء أهل الذمة عبارة عمن يؤدي الجزية، وهؤلاء لهم ذمة مؤبدة، وهؤلاء قد عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم الله ورسوله، إذ هم مقيمون في الدار التي يجري فيها حكم الله ورسوله، بخلاف أهل الهدنة فإنهم صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم، سواء كان الصلح على مال أو غير مال، لا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة، لكن عليهم الكف عن محاربة المسلمين. وهؤلاء يسمون أهل العهد وأهل الصلح وأهل الهدنة. وأما المستأمن: فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أربعة أقسام: رسل، وتجار، ومستجيرون حتى يُعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاءوا دخلوا فيه، وإن شاءوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها. وحكم هؤلاء ألا يهاجروا ولا يقتلوا ولا تؤخذ منهم الجزية وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به ولم يعرض له قبل وصوله إليه، فإذا وصل مأمنه عاد حربياً كما كان” (ينظر أحكام أهل الذمة 2/873-874).
 وباستقراء ما ذكره الفقهاء يتبين أن الكفار أربعة أنواع: الذميون، والمعاهدون، والمستأمنون، والحربيون. وفيما يلي نبذة موجزة عن تعريف كلّ نوع من هذه الأنواع:
1 – الذميون:   
جمع ذمي، والذمي نسبة إلى الذمة، ولها في اللغة عدة معانٍ منها: العقد، والأمان، والكفالة. (ينظر مادة (ذمم) في: لسان العرب، والقاموس المحيط، ومختار الصحاح)
 وأما في اصطلاح الفقهاء، فقد اختلفت عبارات القوم في تعريف عقد الذمة:
1 – فعند الحنفية: “عقد على انتهاء القتال مع الكفار، مع التزامهم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، والرضا منهم بالمقام في دار الإسلام “.(ينظر شرح السير الكبير 1/191)
2 – وعند المالكية: “التزام تقريرهم في دارنا وحمايتهم والذب عنهم بشرط بذل الجزية” (حاشية الدسوقي 2/200-201).
3 – وعند الشافعية: “التزام تقرير غير المسلمين في ديارنا وحمايتهم والذب عنهم، ببذل الجزية والاستسلام من جهتهم”(ينظر الوجيز 2/197).
4 – وعند الحنابلة: “إقرار بعض الكفار على كفره بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملة” (ينظر كشاف القناع 3/116).
والحاصل من هذه التعريفات أن أهل الذمة هم: (غير المسلمين الذين يقيمون في دار الإسلام إقامة دائمة على أساس بذل الجزية والتزام أحكام الإسلام). (ينظر أحكام القانون الدولي في الشريعة الإسلامية ص:224).

2 – المعاهَدون:
جمع معاهَد، والمعاهَد (من المفاعلة) نسبة إلى العهد، وله في اللغة معانٍ منها: الأمان، واليمين، والموثق، والذمة، والحفاظ، والوصية، ورعاية الحرمة. (ينظر مادة (عهد) في لسان العرب، والقاموس المحيط ، ومختار الصحاح)
و أما في الاصطلاح، فالعهد:
1 – عند الحنفية: “الصلح على ترك القتال مؤقتاً “. (ينظربدائع الصنائع 7/108).
2 – وعند المالكية:“صلح الحربي مدة ليس هو فيها تحت حكم الإسلام” (ينظر الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2/206).
3 – وعند الشافعية:“مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض أو غيره، سواء فيهم من يُقَرّ على دينه ومن لم يقر” (ينظر مغني المحتاج 6/86)
4 – وعند الحنابلة: “أن يعقد لأهل الحرب عقداً على ترك القتال مدة، بعوض وبغير عوض” (ينظرالمغني 9/238).
ومن الملاحظ أن عبارات الفقهاء في تعريف العهد متقاربة، وعلى هذا فيمكن تعريف المعاهد بأنه: (كل حربي يكون بين بلاده وبلاد الإسلام صلح مؤقت على ترك القتال).
و الكافر يكتسب وصف المعاهدة من العهد، وهو الصلح الذي يبرمه ولي أمر المسلمين مع دولة الكفار، فيشمل هذا الصلح كل كافر من الدولة المعاهدة.ويسمّي الفقهاء هذا الصلح: العهد والمعاهدة والهدنة والمهادنة والمسالمة والموادعة.
3 – المستأمَنون:
جمع مستأمَن، ويراد بالمستأمِن (بالكسر) الكافر طالب الأمان، وبالمستأمَن (بالفتح) الذي يعطى الأمان فإذا أعطي الأمان اكتسب هذه الصفة. والأمن أو الأمان في اللغة: معروف، وهو ضد الخوف.( ينظر مادة (أمن) في: لسان العرب، والقاموس المحيط، ومختار الصحاح)
وأما عند الفقهاء:
1 – يعرّف الحنفية والمالكية والشافعية المستأمن بأنه: الحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان. (ينظر بدائع الصنائع 7/110، الشرح الكبير 2/182، تحرير ألفاظ التنبيه 1/325)
2 – وعند الحنابلة هو: “الذي يقدم لبلاد المسلمين من غير استيطان لها” (ينظر أحكام أهل الذمة 2/874)
والحاصل مما تقدم من تعريفات المستأمن أنه: (كل حربي يدخل بلاد الإسلام بأمان مؤقت). وبيان ذلك: أن المستأمنين هم غير المسلمين الذين يدخلون دار الإسلام بأمان مؤقت لأمر يقضيه أحدهم ثم ينصرف بانقضائه، دون أن يكون ملتزماً بأحكام الإسلام أو الذمة بعامة. (ينظر أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن الشيباني 1/586)
4 – الحربيون:
جمع حربي نسبة إلى دار الحرب، ودار الحرب هي أرض الكفار التي ليس بين أهلها وبين المسلمين عهد. (ينظر قضايا فقهية في العلاقات الدولية ص:215)
ولا يشترط في كون أهل دار الحرب حربيين أن يكون هناك حرب قائمة فعلاً بين المسلمين وبين أهل تلك الدار، بل إنه متى ما انتفت موانع القتال من عهد أو ذمة أو أمان فإن الكافر لا يخرج عن كونه حربياً مباح الدم.
وعلى هذا فالمراد بالحربيين كل كافر سوى من تقدم ذكره من محقوني الدماء، أي: (كل كافر لم يدخل في عقد الذمة، ولا يتمتع بأمان المسلمين ولا عهدهم). (ينظر: العناية شرح الهداية 5/441، الكافي في فقه أهل المدينة 1/207-208، الأم 4/176، مجموع فتاوى ابن تيمية 28/502-503)
والأصل في أهل دار الحرب أنهم حربيون مباحوا الدم، يجوز قتالهم متى ما بلغتهم دعوة الإسلام فامتنعوا عنها. (ينظر الفتاوى الهندية 2/193، الأحكام السلطانية للماوردي ص:47)
ويدل على ذلك ما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:”أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله”( رواه البخاري في كتاب الإيمان، ومسلم في كتاب الإيمان ).
(أحكام قتال الكفّار)
العلة المعتبرة في قتل الكفار:
اختلف الفقهاء في العلة التي من أجلها يُقاتل الكفار، وبناءً على ذلك اختلفوا في استثناء بعض فئات الكفار من عموم القتل، وقد ورد لهم في هذا قولان:
1 – مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية: هو أن العلة في قتل الكفار هي القتال أو إطاقة القتال. (ينظر: العناية شرح الهداية 5/452، بدائع الصنائع 7/101، مواهب الجليل 3 / 351، المغني 9/249)
وقد استدلوا على مذهبهم بما يلي:
1 – قوله تعالى: {وقاتلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190 ). وجه الاستدلال: أن الآية نصت على قتال الذين يقاتلوننا من الكفار دون غيرهم، وعلى هذا فإن كل من كان من أهل القتال يحل قتله، سواء قاتل أو لم يقاتل، وكل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة أو معنى بالرأي والطاعة والتحريض، ونحو ذلك. (ينظر بدائع الصنائع 7/101)
ولكن نوقش هذا الاستدلال بأن هذه الآية منسوخة بآيات قتل الكفار عامة. حيث قال الإمام الشافعي: “نزل هذا في أهل مكة وهم كانوا أشد العدو على المسلمين وفُرِض عليهم في قتالهم ما ذكر الله عز وجل. ثم يقال: نُسِخ هذا كلُّه، والنهيُ عن القتال حتى يقاتلوا، والنهيُ عن القتال في الشهر الحرام بقول الله عز وجل: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} الآية (البقرة: 193). ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد وهي موضوعة في موضعها” (ينظر الأم 4/169)
وأجيب عن الجمهور بأن الجمع بين الأدلة -على وجه صحيح- متى ما أمكن أولى من القول بالنسخ. وإذا حملنا معنى هذه الآية على أن لا يقاتَل إلا مَن قاتَل، فإن هذا لا يتنافى مع مشروعية قتال الكفار عامة لأن معنى الآية حينئذ: قاتِلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان ونحوهم. (ينظر أحكام القرآن لابن العربي 1/148، تفسير القرطبي 2/34)
قال الطبري بعد أن ساق القولين في الآية: “وأولى هذين القولين بالصواب القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز: [أن ذلك في النساء والذرية ومن لم ينصب لك الحرب منهم]، لأن دعوى المدعي نسخ آية يحتمل أن تكون غير منسوخة بغير دلالة على صحة دعواه تحكم، والتحكم لا يعجز عنه أحد…[إلى أن قال:] وأمرهم تعالى ذكره بقتال من كان منه قتال من مقاتلة أهل الكفر دون من لم يكن منه قتال من نسائهم وذراريهم… فمعنى قوله (ولا تعتدوا) : لا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا من أعطاكم الجزية من أهل الكتابين والمجوس”. ويدل على صحة هذا الترجيح في معنى الآية ما سيأتي بيانه من أحاديث النهي عن قتل المرأة ونحوها. (ينظرتفسير الطبري 2/190)
2 – عن رباح بن الربيع- رضي الله عنه – قال: “كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً، فقال: انظر عَلامَ اجتمع هؤلاء. فجاء فقال: على امرأةٍ قتيلٍ. فقال: ما كانت هذه لتقاتِل”. (رواه أبو داود في كتاب الجهاد، وابن ماجه في كتاب الجهاد). وجه الاستدلال: أن قوله صلى الله عليه وسلم: (ما كانت هذه لتقاتِل) يفيد تعليل الحكم بهذا الوصف، وأن كل من لا يقاتِل لا يجوز قتله. قال ابن قدامة: “وقد أومأ النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى هذه العلة في المرأة، فقال: ما بال هذه قتلت، وهي لا تقاتِل”(ينظر المغني 9/249).
3 – ومن المعقول: أن هذه العلة –القتال أو إطاقته – هي الأقرب إلى مقاصد الشريعة في فرض الجهاد، وهو إعلاء كلمة الله تعالى، وأن يكون الدين كله لله، بحيث لا تقف أي قوة في وجه الدعوة الإسلامية.
قال ابن تيمية: “وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة فلا يقتل إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، لأن القتال هو لمن يقاتلنا، إذا أردنا إظهار دين الله، وذلك أن الله تعالى أباح من قتل النفوس، ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (البقرة: 217 ). أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر منه، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه” (ينظر السياسة الشرعية / 165 مختصراً).
2- مذهب الشافعي (وهو الأظهر في مذهب الشافعية)، وإليه ذهب ابن حزم الظاهري: أن العلة في قتل الكفار هي الكفر. فيجوز قتل كل كافر، ما لم يدل دليل على استثنائه من هذا الحكم. وهذا نص الشافعي. وقال الإمام الشافعي: “وكل من يحبس نفسه بالترهُّب تركنا قتله اتباعاً لأبي بكر – رضي الله عنه -، وذلك أنه إذا كان لنا أن ندع قتل الرجال المقاتلين بعد المقدرة وقتل الرجال في بعض الحالات لم نكن آثمين بترك الرهبان إن شاء الله تعالى وإنما قلنا هذا تبعاً لا قياساً، ولو أنا زعمنا أنا تركنا قتل الرهبان لأنهم في معنى من لا يقاتل تركنا قتل المرضى حين نغير عليهم، والرهبان، وأهل الجبن، والأحرار، والعبيد، وأهل الصناعات الذين لا يقاتِلون”.
فالشافعي يعلل ترك قتل الرهبان باتباع وصية أبي بكر، لا بالقياس. لأن علة القتل عنده ليست القتال كما ذهب إليه الجمهور. بل إن الحكم عنده معلق بالعلة أو الوصف الذي صرحت به الآيات الآمرة بقتل المشركين -وهو الكفر- فيجوز قتل كل كافر إلا من نهي عن قتله بخصوصه.
ويجدر بالذكر أن اعتبار الشافعي علة الكفر لا يعني جواز قتل كل كافر مطلقاً لعلة الكفر، بل الحكم عنده مقيد بما إذا لم يلتزم الكافر أحكام الإسلام ويعطي الجزية، أما إذا أعطى الجزية فإنه يحرم دمه، كما نص على ذلك الشافعي نفسه في الأم. (ينظرالأم 4/253، و186، مغني المحتاج 6/30، المحلى 5/348.، والجهاد والقتال في السياسة الشرعية 2/1252)
ومن أدلة مذهب الإمام الشافعي وابن حزم ما يلي:
1 – عموم قوله تعالى: { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 5) وجه الاستدلال: قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} عام يفيد قتل سائر المشركين، وأنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. وعلى هذا، يُقتَل كل مشرك بوجود علة القتل، وهي الإشراك. ( ينظر المحلى 5/348).
و لكن نوقش هذا الاستدلال بأن الآية عامة، مخصوصة بالآيات والأحاديث التي نهت عن قتل من ليس من أهل القتال من الكفار كالمرأة ونحوها، فبقي تحت اللفظ من كان محارباً أو مستعداً للحرابة، وتبين بهذا أن المراد بالآية: اقتلوا المشركين الذين يحاربونكم. ويؤيد هذا التخصيص العلة التي أشار إليها النبي – صلى الله عليه وسلم – في النهي عن قتل المرأة، وهي كونها ليست من أهل القتال. (ينظرأحكام القرآن لابن العربي 2/456).
2 – قوله تعالى: { وقاتلوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (التوبة: 36) وجه الاستدلال: أن الله تعالى أمر في الآية بقتال جميع الكفار ولم يستثن أحداً من أصنافهم، فدل على أن وصف الكفر هو مناط الحكم، فعلى هذا يقتل كل كافر من سائر أصناف أهل الشرك إلا من اعتصم منهم بالذمة، وأداء الجزية. (ينظر أحكام القرآن للجصاص 3/163)
و هذا الاستدلال نوقش من وجهين:
1 – عدم التسليم بأن معنى (كافة) في الآية يدل على ما ذكر، بل هو يحتمل أمرين، أحدهما: الأمر بقتال سائر أصناف أهل الشرك. والآخر: الأمر بأن نقاتلهم مجتمعين متعاضدين غير متفرقين. فعلى هذا المعنى يكون المراد من الآية حث المؤمنين على الاجتماع والتعاضد وعدم التفرق حال قتال المشركين.
أجيب بأن: هذا المعنى هو الذي اكتفى بذكره ابن جرير الطبري عند تفسير هذه الآية فقال:”وقاتلوا المشركين بالله أيها المؤمنون جميعاً غير مختلفين، مؤتلفين غير مفترقين، كما يقاتلكم المشركون جميعاً مجتمعين غير متفرقين”
2 – وعلى فرض التسليم بالمعنى الأول – وهو قتال جميع الكفار – فإنه عام مخصوص بأدلة القول الأول الخاصة الدالة على عدم قتل من لا يطيق القتال. (ينظر المصدر السابق. وتفسير الطبري 10/128،شرح منتهى الإرادات 1/624)
3 – عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله”. (تقدم تخريجه). وجه الاستدلال: عموم الحديث يدل على قتال جميع أصناف الكفار دون استثناء حتى يقتلوا أو يسلموا. (ينظر الأم 4/252)
وهذا الاستدلال نوقش بأن عموم الحديث مخصوص بالأدلة الأخرى التي قيدت القتل بمن كان من أهل القتال دون غيره.(1ينظرفتح القدير 5/438)
4 – ومن المعقول، وبيانه ما أشار إليه الشافعي بقوله:”ولو أنا زعمنا أنا تركنا قتل الرهبان لأنهم في معنى من لا يقاتل، تركنا قتل المرضى حين نغير عليهم، والرهبان، وأهل الجُبْن، والأحرار، والعبيد، وأهل الصناعات الذين لا يقاتلون.”(2) (2) الأم 4/254
ومعنى كلامه أنه لو كانت علة القتل هي المقاتلة، للزم من هذا التعليل عدم قتل من لم يباشر القتال ممن يجوز قتله من المطيقين كالجبناء وأهل الصناعات وغيرهم، وهؤلاء لم يقل أحد بقتلهم، مع أنهم لم يقاتلوا.
ونوقش هذا الاستدلال بأنه غير مسلم، لأن مراد الجمهور بأن علة القتل المقاتلة هو إمكان القتال لا مباشرة القتال.
قال ابن رشد: “والسبب الموجب بالجملة لاختلافهم اختلافهم في العلة الموجبة للقتل فمن زعم أن العلة الموجبة لذلك هي الكفر لم يستثن أحداً من المشركين، ومن زعم أن العلة في ذلك إطاقة القتال للنهي عن قتل النساء مع أنهن كفار استثنى من لم يطق القتال ومن لم ينصب نفسه إليه كالفلاح والعسيف” (ينظربداية المجتهد 1/281)
ترجيح الراجح: وبالنظر في أدلة المذهبين وما ورد عليها من مناقشات، يتبين أن القول الراجح في علة قتل الكفار هو قول الجمهور القائلين بأن علة قتل الكفار إطاقة القتال.
وإذا تبين أن هذا الوصف هو مناط الحكم في هذه المسألة، فإننا ننظر في أنواع الكفار، فمن أطاق القتال منهم وتأتّى منه جاز قتله، ومن لم يطق القتال ولم يتأت منه لم يجز قتله. وتحقيقاً لهذا المناط، أذكر فيما يأتي – من الحلقات – أصناف من يجوز قتله ومن لا يجوز قتله من الكفار. وبالله التوفيق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين   موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالإثنين مارس 29, 2021 2:33 pm

أصناف من يُقاتلون وأحكام قتالهم
(من يجوز قتله ومن لا يجوز قتله من الكفار)


الكفار من حيث جواز قتلهم وعدمه على قسمين: 1 – من يجوز قتله. 2 – من لا يجوز قتله. وتفصيل هاتين المسألتين في مايلي:
1 – من يجوز قتله من الكفار:
قد سبق بنا (في الحلقة السابقة) في مبحث العلة في قتل الكفار: أن الجمهور يرون أن العلة في قتل الكفار هي إطاقتهم القتال والمحاربة وتأتّيها منهم، فكل من أطاق القتال من أهل الحرب يجوز قتله وإن لم يباشر القتال، إلا من استثني من هذا الحكم كالمستأمنين، والمعاهدين، وأهل الذمة. وهم من عدا المحاربين.
وإذا كان الجمهور قد أجازوا قتل المطيقين للقتال من الكفار، فمن باب أولى أن يجيز الشافعية قتلهم لأنهم– كما تقدم- يرون جواز قتل كل كافر إلا من استثني -كما سيأتي بيانه-.ولهذا، حكى ابن حزم الإجماع على هذا الحكم،فقال: واتفقوا أن قتل بالغيهم ما عدا الرهبان والشيوخ الهرمين والعميان والزمنى والأُجراء والحراثين وكل من لا يقاتل جائز قبل أن يؤسروا.(ينظر مراتب الإجماع 1/119)
وعلى هذا فكل كافر محارب يجوز قتله، ما لم يدخل في عهد المسلمين أو أمانهم أو ذمتهم، فإنه يكون معصوم الدم ما دام على ذلك.
يقول ابن العربي: “قوله تعالى: { فاقتلوا المشركين } عام في كل مشرك، لكن السنة خصت منه من تقدم ذكره قبل هذا من امرأة وصبي، وراهب، وحشوة، حسبما تقدم بيانه، وبقي تحت اللفظ من كان محارباً أو مستعداً للحرابة والإذاية، وتبين أن المراد بالآية: اقتلوا المشركين الذين يحاربونكم”(ينظر أحكام القرآن لابن العربي 2 / 456).
2 – من لا يجوز قتله من الكفار:
تمهيد: والقانونيون المعاصرون يطلقون على غير المقاتلين مصطلح (المدنيين)، وهم: الذين لا يمارسون الأعمال الحربية، وينبغي للعدو احترامهم. (ينظر القانون الدولي العام للبشير ص:434، قضايا فقهية في العلاقات الدولية ص:215
فللباحث أن يقسّم عوام الكفار (أي المدنيين الحربيين) من حيث الاتفاق والاختلاف في جواز قتلهم إلى قسمين: 1 – قسم اتفق العلماء على عدم جواز قتلهم، وبالتالي فإنهم يكونون مدنيين لا يجوز قتلهم، و2 – آخر اختلف العلماء في جواز قتلهم وكونهم مدنيين، وبيان ذلك فيما يلي:
1 – أصناف الكفار الذين لا يجوز قتلهم بالاتفاق:
ومن اتفق أهل العلم على عدم جواز قتلهم خمسة أصناف من المدنيين الحربيين، وهم: 1 – النساء، 2 – الصبيان، 3 – الخَناثَى المشكلين، 4 – الرسل، 5 – المجانين.
ومن أدلة تحريم قتل هذه الأصناف ما يلي:
1 – من أدلة تحريم قتل المرأة والصبي:
الدليل الأول: قوله تعالى: {وقاتلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة: 190). فعن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: (ولا تعتدوا): “لا تقتلوا النساء ولا الصبيان ولا الشيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السلم وكفّ يده، فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم”. (رواه الطبري في تفسيره 2/190، وابن أبي حاتم في تفسيره 1/325 وهذا الأثر في إسناده ضعيف) وجه الاستدلال: أن الأمر بالقتال في الآية مقيد بمن كان من أهل القتال من الكفار، ونساءُ الكفار وأطفالُهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب، فلا يجوز قتلهم. (التمهيد 16/138).
الدليل الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وُجِدَت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فنهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن قتل النساء والصبيان”. (رواه البخاري ومسلم). وجه الاستدلال: الحديث صريح في النهي عن قتل النساء والصبيان، فيكون هذا الحديث مخصصاً لعموم الأدلة الآمرة بقتل الكفار مطلقاً. (ينظر فتح الباري 6/148).
الدليل الثالث: عن رباح بن الربيع – رضي الله عنه – قال:”كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً، فقال: انظر علام اجتمع هؤلاء. فجاء فقال: على امرأةٍ قتيلٍ. فقال: ما كانت هذه لتقاتِل. قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلاً فقال: قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً”.
وجه الاستدلال: أن قوله: (ما كانت هذه لتقاتِل) يفيد أن علة القتل وهي إطاقة القتال منتفية عن المرأة فلا تُقتل، ولهذا صرح بعده بالنهي عن قتل المرأة. (ينظر المغني 9/249).
الدليل الرابع: الإجماع: فقد حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على عدم جواز قتل النساء والصبيان.
قال ابن الهمام: “وما الظنّ إلا أن حرمة قتل النساء والصبيان إجماع”. (ينظر فتح القدير 5/453).
وقال ابن عبد البر – بعد أن ساق حديث النهي عن قتل النساء والصبيان: “وأجمع العلماء على القول بجملة هذا الحديث، ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين ولا أطفالهم”. ( ينظر التمهيد 16/138).
وقال النووي – تعليقاً على حديث ابن عمر: “أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا”. ( ينظر شرح صحيح مسلم للنووي 12/48).
وقال ابن حجر:”واتفق الجميع كما نقل ابن بطال وغيره على منع القصد إلى قتل النساء والولدان، أما النساء فلضعفهن، وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفر”. ( ينظر فتح الباري 6/148).
الدليل الخامس: المعقول، وبيانه: أن عدم قتل المرأة والصبي هو الأقرب إلى مقاصد الجهاد في الشريعة من إقامة الدين، وتعبيد الناس لرب العالمين.
ووجه ذلك ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية: “أن الله تعالى أباح من قتل النفوس، ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى: { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } (البقرة: 217 )، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد، ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر منه، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه.”. (ينظر السياسة الشرعية ص:165).
2 – من أدلة تحريم قتل الرسل:
الدليل الأول: ما جاء في قصة رسولي مسيلمة الكذاب عندما قَدِما على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بكتاب مسيلمة. قال نعيم بن مسعود رضي الله عنه: “سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول لهما حين قرأ كتاب مسيلمة: ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال. قال: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما”. (رواه أحمد ، وأبو داود). وجه الاستدلال: أن قوله (لولا أن الرسل لا تقتل) يفيد أن المانع من قتل الرجلين هو ما استقر من سنته – صلى الله عليه وسلم – من تحريم قتل الرسل، وأنه – صلى الله عليه وسلم – كان يؤمّن رسل المشركين. بل إن الحديث فيه دلالة على تحريم قتل رسل الكفار وإن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام. (المغني 9/197و عون المعبود 7/314).
الدليل الثاني: المعقول، وبيانه: أن الحاجة تدعو إلى ذلك، فإننا لو قتلنا رسلهم لقتلوا رسلنا، فتفوت مصلحة المراسلة والسفارة بين الطرفين. (المغني 9/197).
ومن المعلوم أن الرسل هم مفاتيح العلاقات بين الدول، وهم وسائطها في حل الخلافات، فضلاً عن أن قتلهم ضرب من ضروب الغدر، فوجب صيانتهم وتجنب قتلهم. (ينظر قضايا فقهية في العلاقات الدولية ص:222).
3 – دليل تحريم قتل المجانين:
عموم الأدلة التي تفيد أن المجنون غير مكلف ولا مخاطب فلا يُقتَل، إلا أن يقاتِل فيُقتَل دفعاً لشره. (فتح القدير 5/454).
4 – دليل تحريم قتل الخَناثَى المشكلين:
الخناثى جمع خنثى، وهو من لم تتبين ذكورته من أنوثته فيقال له: خنثى مشكل. وسبب منع قتله احتمال أنوثته، فلا يقتل مع احتمال وجود المانع من قتله، ولأنه ليس من أهل القتال في الغالب لعدم تمام ذكورته. (ينظر أسنى المطالب 4/190، كشاف القناع 3/50).
______________________________________

اختلف أهل العلم في جواز قتل الشيخ الفاني، والراهب، والأجير، والأعمى، والزَمِن، والتاجر ونحوهم، وهل هؤلاء من المدنيين الحربيين أم لا ؟، وفي ذلك مذهبان:
المذهب الأول: وهو مذهب الأحناف، والمالكية، والحنابلة، وهو أحد القولين – المقابل للأظهر- عند الشافعية.
و أهل هذا المذهب ذهبوا إلى عدم جواز قتل الشيخ الفاني، والراهب، والأجير، والأعمى، والزَمِن ونحوهم.
 
ومن أدلة هذا المذهب ما يلي:
1 – قوله تعالى: {وقاتلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة:190). وجه الاستدلال: أن الآية أمرت بقتال الذين يقاتلوننا من الكفار، وهؤلاء الأصناف ليسوا من أهل القتال، فلا يجوز قتلهم. ( ينظر: المغني 9/250).
وهذا الاستدلال نوقش بما تقدم ذكره من أن الآية منسوخة. ولكن أجيب بأن الراجح أن الآية محكمة وأن معناها قتال المطيقين للقتال، وهو الذي تجتمع به الأدلة.
2 – عن رباح بن الربيع – رضي الله عنه – قال: “كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلاً، فقال -عليه الصلاة والسلام- : انظر علام اجتمع هؤلاء. فجاء فقال: على امرأةٍ قتيلٍ. فقال: ما كانت هذه لتقاتل. قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلاً فقال: قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفاً”. (العسيف: الأجير. وقيل: الشيخ الفاني، وقيل: العبد. النهاية 3/236)
من وجه الاستدلال: أن الحديث دل على عدم جواز قتل هؤلاء الأصناف، من وجهين، أولاً: أنه – صلى الله عليه وسلم – علل القتل بالمقاتلة في قوله: (ما كانت هذه لتقاتل) فثبت أن حكم القتل معلل بالمقاتلة فلزم قتل ما كان مظنة له، بخلاف ما ليس إياه. ثانياً: أنه – صلى الله عليه وسلم – صرح بالنهي عن قتل العُسَفاء وهم الأجراء، وفي معناهم من كان في مثل حالتهم من أهل المهن والحرف. لأن المعنى المبيح للقتل لا يتحقق منهم، ولهذا لا يقتل يابس الشق والمقطوع اليمنى والمقطوع يده ورجله من خلاف. (ينظر: فتح القدير 5/453).
3 – عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:”انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا وضُمُّوا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين”. (رواه أبو داود).
وجه الاستدلال: أن الحديث صريح في النهي عن قتل الشيوخ. (شرح معاني الآثار 3/225، المغني 9/250).
و قد نوقش الاستدلال بهذا الحديث بأنه ضعيف الإسناد، فلا يصح الاحتجاج به، ولكن يجاب بأن الاستدلال ليس بناءه على هذا فقط، بل للمطلوب دلائل.
4 – الدليل من قول الصحابي. فعن يحيى بن سعيد الأنصاري أن أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – بعث جيوشاً إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير رَبْع (الرَّبْع: المَحَلَّة) من تلك الأرباع، فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر: إما أن تركب وإما أن أنزل. فقال أبو بكر: ما أنت بنازل وما أنا براكب، إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله. ثم قال له: إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله -بزعمهم- (أي الرهبان) فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له، وستجد قوماً فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر (يعني الشمامسة وهم رؤساء النصارى) فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف (أي اقتلهم)، وإني موصيك بعشر، لا تقتلن امرأة ولا صبياً ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا تُخَرِّبَن عامراً، ولا تَعْقِرن شاة ولا بعيراً إلا لمَأْكَلَة، ولا تُحَرِّقن نحلاً ولا تُغْرِقنه، ولا تَغْلُل ولا تجبن. (رواه مالك في الموطأ، والبيهقي).
وجه الاستدلال: أن أبا بكر – رضي الله عنه – نهى عن قتل الرهبان الذين يعتزلون الناس، والشيوخ الكبار، والمراد من لا يكون منه قتال من هذه الأصناف .
ونوقش الاستدلال بهذا الأثر أن إسناده ضعيف. (ينظر: شرح الزرقاني 3/17، والمحلى 5/350).
5 – الدليل من القياس. وبيانه: أن هذه الأصناف من الكفار لا يجوز قتلها قياساً على المرأة بجامع علة عدم إطاقة القتال، وهي العلة التي أومأ إليها النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: (ما كانت هذه لتقاتل). (ينظر: المبسوط 10/137، المغني 9/250).
المذهب الثاني: وهو مذهب ابن حزم الظاهري، وهو الأظهر في مذهب الشافعية، ونص عليه الشافعي، واختاره ابن المنذر. وأهل هذا المذهب قائلون بجواز قتل الشيخ الفاني، والراهب، والأجير، والأعمى، والزمنى ونحوهم.
 
ومن أدلة المذهب الثاني ما يلي:
1 – عموم آيات قتل المشركين كقوله تعالى: {وقاتلوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 36)، وقوله تعالى: { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 5).
وجه الاستدلال: أن الآية تتناول بعمومها الشيوخ. قال ابن المنذر: لا أعرف حجة في ترك قتل الشيوخ يستثنى بها من عموم قوله: (فاقتلوا المشركين).
ونوقش هذا الاستدلال بأن الآية عامة مخصوصة بالأدلة الخاصة الواردة في النهي عن قتل هؤلاء، وبالقياس على المرأة، وتقدما آنفاً. (ينظر: المغني 9/249، وما بعدها).
2 – عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :”اقتلوا شيوخ المشركين (الرِّجَال المَسانّ أهل الجلد والقوة على القتال ولم يرد الهَرمَى) واستبقوا شَرْخهم (الصّغار الذين لم يُدْرِكوا)”. (رواه أحمد، وأبو داود، وأيضاً ينظر: النهاية2/457)
وجه الاستدلال: الحديث نص في الأمر بقتل شيوخ الكفار مطلقاً، وترك غلمانهم وهم المراهقون الذين لم يبلغوا.
ونوقش هذا الاستدلال أولاً: بأن الحديث ضعيف الإسناد، فلا يصح الاحتجاج به كما ذكر ابن حزم مع أنه ممن يقول بجواز قتل شيوخ الكفار. وثانياً: أنه لا تعارض بين هذا الحديث – على فرض صحته – ويبن أحاديث النهي عن قتل الشيوخ، فيحمل هذا الحديث على الشيخ الذي يطيق القتال أو يكون له رأي فيه، بدليل ذكره في مقابل الغلام الذي لم ينبت، فيكون معنى الحديث: النهي عن قتل الصغير الذي لم ينبت، والأمر بقتل الكبير ومنه الشيخ الذي يطيق القتال، بخلاف الهرم أو الفاني كما جاء في الأحاديث الأخرى. قال ابن قدامة: “وأما حديثهم، فأراد به الشيوخ الذين فيهم قوة على القتال أو معونة عليه برأي أو تدبير، جمعاً بين الأحاديث”. وثالثاً: أن أحاديث تحريم قتل الشيوخ خاصة في الهرم، وهذا الحديث عام في الشيوخ كلهم، والخاص يقدم على العام. (ينظر: أسنى المطالب 4/190، والمحلى 5/350-351، والمغني 9/250).
3 – عن عطية القُرَظي- رضي الله عنه – قال: عُرِضنا على النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم قُرَيظة فكان من أنبت قُتِل، ومن لم ينبت خُلِّي سبيلُه، فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي. (رواه أبو داود، والنسائي).
وجه الاستدلال: قال ابن حزم: “فهذا عموم من النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يستبق منهم عسيفاً، ولا تاجراً، ولا فلاحاً، ولا شيخاً كبيراً، وهذا إجماع صحيح منهم رضي الله عنهم متيقن; لأنهم في عرض من أعراض المدينة لم يخف ذلك على أحد من أهلها”. (ينظر : المحلى 5/351).
ونوقش هذا الاستدلال بأن حادثة بني قريظة واقعة حال لا عموم لها لتطرق الاحتمال إليها، وقد وقعت هذه الحادثة في ظروف خاصة عندما نقضت قريظة العهد، ولم ينكر أحد منهم النقض إلا عمرو بن سعد الذي عارضهم وخرج من عندهم، وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – أنه إذا نقض بعض القوم العهد وأقرهم الباقون ورضوا به؛ غزا الجميع كلهم وجعلهم ناقضين للعهد. (ينظر: زاد المعاد 2/72-73، وقضايا فقهية في العلاقات الدولية ص:231).
4 – الدليل من المعقول، وبيانه: أن الشيخ كافر لا نفع في حياته، فيقتل كالشاب. ومؤدى هذا القياس أن كل كافر لا نفع فيه يجوز قتله.
ونوقش هذا الاستدلال بأن هذا القياس ينتقض بالعجوز التي لا نفع فيها.
فالمرأة العجوز إنسان كافر لا نفع فيه، أفيقول الشافعية بجواز قتلها؟، فإن قالوا: نعم. فقد خالفوا الدليل ونقضوا قولهم إذ هم يقولون بعدم جواز قتلها، وهو مما لا خلاف بين أهل العلم فيه.
وإن قالوا – وهو الحق – : لا. فقد انتقض قياسهم، فلا يصح الاحتجاج به، وهذا هو المطلوب . (ينظر: المغني 9/250).
5 – من المعقول أيضاً، وبيانه: أن هؤلاء الكفار أحرار مكلفون فجاز قتلهم قياساً على غيرهم .(ينظر: مغني المحتاج 6/29).
ونوقش هذا الدليل بأن هذا القياس منتقض بما تقدم ذكره في الجواب على الدليل السابق، ثم إنه قياس فاسد الاعتبار لأنه في مقابل النص الذي تقدم ذكره في النهي عن قتل من لا يقاتل.
 
الترجيح:
ويتبين مما تقدم بيانه – من أدلة الفريقين وما ورد عليها من مناقشات – أن الراجح من القولين في هذه المسألة – والله أعلم – هو قول الجمهور. وعليه يكون الأصل عدم جواز قتل المدنيين الحربيين الذين ليسوا من أهل القتال والممانعة، إلا في الأحوال المستثناة كما سيأتي بيانه (إن شاء الله في الحلقات الآتية).
ومما يؤيد هذا الترجيح أنه يتمشى مع مقاصد الجهاد، وقواعد الشريعة العامة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تقرير هذا الحكم: “وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة، كالنساء والصبيان، والراهب والشيخ الكبير، والأعمى والزَّمِن ونحوهم فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله … وذلك أن الله تعالى أباح من قتل النفوس، ما يحتاج إليه في صلاح الخلق، كما قال تعالى: { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } ( البقرة: 217 ). أي أن القتل، وإن كان فيه شرّ وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر منه، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه”. (السياسة الشرعية / 165).
 
ضابط التفريق:
ضابط التفريق بين الحربيين والمدنيين (بحسب قول الجمهور الراجح): في ضوء ما تقدم يتلخص لنا في التفريق بين هذين الصنفين ما يلي:
1 – المقاتلون الحربيون هم: كل من كانت له بِنية صالحة للقتال ويتأتّى منه القتال، وإن لم يباشر القتال بسبب عارض يمنعه منه مؤقتاً.
2 – المدنيون الحربيون هم: كل من لم يكن له بنية صالحة للقتال، أو لا يتأتّى منه القتال، أو لم يباشر القتال بسبب دائم.
وبناءً على هذا يجوز مثلاً قتل الجريح والمريض مرضاً مؤقتاً والشيخ ذي القوة والسكران، لأن هؤلاء غير مدنيين أصلاً، ويتأتّى منهم القتال من الكفار. بينما لا يجوز قتل الزمنى وذوي الأمراض المزمنة كالمشلول والشيخ الفاني. (ينظر: شرح السير الكبير 4/1429-1444، وأصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن الشيباني 2/1063).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين   موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مارس 30, 2021 6:20 am

متى يجوز قتل من لا يجوز قتله أصلاً من الكفار:

قد تبين مما سبق أن الأصل في المدنيين- الحربيين- أنه لا يجوز قتلهم نظراً لكونهم ليسوا من أهل الممانعة والمقاتلة، لكن هنا حالات خارجة -استثناها الفقهاء- عن أصل الحكم يجوز فيها قتل المدنيين الحربيين، ومن تلك الحالات ما يلي:

الحالة الأولى: الحضور والمشاركة في القتال بصوره المباشرة وغير المباشرة:إذا شارك المدنيون الحربيون في القتال فلا خلاف بين أهل العلم في جواز قتلهم، ومن صور المشاركة في القتال ما يلي:

1 – مباشرة القتال فعلاً: ومن أدلة جواز قتلهم في هذه الصورة ما يلي:

– قوله تعالى: {وقاتلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة:190). وجه الاستدلال: أن الآية أمرت بقتال من يقاتل المسلمين من الكفار، فإذا وجد من هؤلاء المعنى المبيح للقتل حقيقة وهو القتال جاز قتلهم. (ينظر: المبسوط 10/137).

– مفهوم قوله -صلى الله عليه وسلم- : “ما كانت هذه لتقاتل” في الحديث المتقدم. وجه الاستدلال: الحديث يدل على أنه إنما نهى عن قتل المرأة لأنها لا تقاتل، ومفهومه أنها لو قاتلت جاز قتلها. وفي معنى المرأة ما ذكر من أصناف الكفار، لأنهم إنما حَرُم قتلهم لأنهم في العادة لا يقاتلون، فإذا قاتلوا جاز قتلهم. (ينظر: المغني 9/249).

– ومن المعقول، وبيانه: أنه إذا كان يجوز قتل كل من له بُنيَة صالحة للمحاربة إذا تأتّى القتال منه، فلأن يباح قتل من وجد منه حقيقة القتال من باب أولى، لأنه باشر السبب الذي به وجب قتاله. (ينظر: شرح السير الكبير 4/1415-1416)، ومما يستأنس به في هذا المقام في قتل المدنيين إذا اشتركوا في الحرب ما أورده أهل السير في قصة استشهاد خلاد بن سويد -رضي الله عنه- يوم قريظة. فقد ذكر الواقدي أن خلاد بن سويد بن ثعلبة الخزرجي دلّت عليه امرأة من بني قريظة رحىً فشدخت رأسه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :”له أجر شهيدين”، وقتلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- به. (كذا في السنن الكبرى للبيهقي).


2 – أن يكون له رأي أو مشورة في الحرب: ومن أدلة جواز قتل المدنيين الحربيين في هذه الصورة ما يلي:

– عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: “لما فرغ النبي – صلى الله عليه وسلم – من حنين، بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس، فلقي دُرَيد بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه. .. الحديث (رواه البخاري). وجه الاستدلال: أنه -صلى الله عليه وسلم- أقر قتل دريد بن الصمة مع أنه قد شاخ، لأنه كان ذا رأي في الحرب. وفي هذا يقول الشافعي: “قَتَل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين دريد بن الصمة وهو في شِجار (مركب أَصغر من الهودج مكشوف الرأس) مطروح لا يستطيع أن يثبت جالساً، وكان قد بلغ نحواً من خمسين ومائة سنة، فلم يعب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قتله”. (ينظر: الأم 2/254).

وقال السرخسي: “وأما إذا كان يقاتل برأيه ففي قتله كسر شوكتهم فلا بأس بذلك، فإن دريد بن الصمة قُتِل يوم حنين، وكان ابن مائة وستين سنة وقد عمي، وكان ذا رأي في الحرب”. (ينظر: المبسوط 10/137). وقال ابن قدامة: “وكانوا خرجوا به [أي دريد] معهم، يتيمّنون به، ويستعينون برأيه، فلم ينكر النبي – صلى الله عليه وسلم – قتله”. (ينظر: المغني 9/249).

– ومن المعقول، وبيانه: أن الرأي من أعظم المعونة في الحرب، وقد جاء عن معاوية أنه قال لمروان والأسود: أمددتما علياً بقيس بن سعد، وبرأيه ومكايدته، فوالله لو أنكما أمددتماه بثمانية آلاف مقاتل، ما كان بأغيظ لي من ذلك. (ينظر: المغني 9/249، وشرح معاني الآثار 3/225).


3 – تولي الملك أو الأمر: وهذا مما نص عليه الأحناف، فقد جاء في العناية: أن المرأة تقتل إذا كانت ملكة، وعللوه بأن المرأة متى ما كانت ملكة فإن ضررها يتعدى إلى العباد. وذكر ابن الهمام في شرحه فتح القدير: أن الصبي والمعتوه كذلك إذا تولوا الملك. (ينظر: العناية شرح الهداية 5/453، وفتح القدير 5/454). وغير هؤلاء من المدنيين مثلهم في الحكم. لأنه متى ما ولي أحدهم الأمر والتدبير، كان قتله من باب أولى لأنه هو الذي يقرّ الرأي ويختاره، وإن لم يكن له رأي. ثم إن في قتله كسراً لشوكة الكفار، وإضعافاً لهم.

4 – التحريض والتشجيع على القتال: قد نص الأحناف على أن من الحالات التي يجوز فيها قتل المدنيين: صياحهم عند التقاء الصفين، وتحريضهم المقاتلين على الحرب. (ينظر :المصدر السابق 5/453). وقال ابن العربي: “وللمرأة آثار عظيمة في القتال، منها الإمداد بالأموال، ومنها التحريض على القتال، فقد كن يخرجن ناشراتٍ شعورهن، نادباتٍ، مثيراتٍ للثأر، معيراتٍ بالفرار وذلك يبيح قتلهن”.

هذا، وفي حكم الصياح وتشجيع العدو، ما يقابله من تخذيل وإضعاف نفوس المسلمين كسبّهم وشتمهم، أو تكشف المرأة لهم، ونحو ذلك. جاء في أسنى المطالب: “وفي معنى القتال سب المرأة والخنثى للمسلمين”. (ينظر : أحكام القرآن لابن العربي 1/148،و أسنى المطالب 4/190).

وقال ابن قدامة: “ولو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم، فشتمت المسلمين، أو تكشفت لهم، جاز رميها قصداً. وكذلك يجوز رميها إذا كانت تلتقط لهم السهام، أو تسقيهم، أو تحرضهم على القتال; لأنها في حكم المقاتل. وهكذا الحكم في الصبي والشيخ وسائر من منع من قتله منهم”. (ينظر :المغني 9/231).
ومما يدخل في التحريض على القتال نظم الشعر أو التغني به في الأسواق تشجيعاً للجند. ومن المعلوم ما للشعر والبيان من أثر على الحالة النفسية للمقاتلين، بل قد يكون أشد وقعاً من الأسلحة المادية.

وعن أنس – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دخل مكة في عمرة القضاء، وعبد الله بن رواحة بين يديه يمشي وهو يقول:

خلُّوا بني الكفار عن سبيله

اليومَ نضربْكم على تنزيله

ضرباً يُزيل الهام عن مقيله

ويُذْهِل الخليل عن خليله

فقال له عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- : خل عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل”. (رواه الترمذي، والنسائي).

الحالة الثانية : إذا سب الله أو رسوله – صلى الله عليه وسلم – أو الإسلام:ومن سب الله تعالى أو رسوله – صلى الله عليه وسلم – أو الإسلام فقد حلّ دمه وجاز قتله، بعد أن كان محقون الدم من المحاربين. ومن الأدلة على ذلك ما يلي:

– قوله تعالى: { وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أئمّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} (التوبة:12). وجه الاستدلال: في قوله تعالى: (وطعنوا في دينكم) دلالة على أن أهل العهد متى ما طعنوا في ديننا فقد نقضوا العهد ووجب قتلهم. (ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3/126)، وإذا كان هذا في أهل العهد فإن المحاربين يجوز قتلهم من باب أولى متى ما صدر منهم هذا الفعل. ويناقش الاستدلال بالآية بأنها إنما أوجبت قتل الكفار إذا وجد منهم أمران: أحدهما نكث اليمين، والآخر الطعن في الدين، بخلاف ما إذا وجد أحد الأمرين. ويجاب عنه بأن الطعن في الدين مستلزم لنكث اليمين، وعلى هذا يصح الاستدلال بالآية على وجوب قتالهم متى ما طعنوا في الدين.

– عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: “لما كان يوم فتح مكة أمَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة…الحديث”. (رواه أبو داود، والنسائي). وجه الاستدلال: أنه – صلى الله عليه وسلم – أهدر دم المرأتين مع أنهما في الأصل ممن لا يجوز قصده بالقتل. وقد ذكر ابن حجر في الفتح، أن ممن أهدر النبي – صلى الله عليه وسلم – دمه يوم الفتح قينتي ابن خَطَل (القَيْنة: الأَمَة المغنية [لسان العرب] )، وأن سبب إهدار دمهما أنهما كانتا تغنيان بهجاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما ذكر ذلك أهل السير. (ينظر: فتح الباري 4/61، والسيرة النبوية لابن هشام 4/52، السنن الكبرى للبيهقي 9/120).

– ما روى أبو داود عن علي – رضي الله عنه – : “أن يهودية كانت تشتم النبي – صلى الله عليه وسلم – وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دمها”. (رواه أبو داود).
وجه الاستدلال: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أهدر دم هذه المرأة التي قامت بسبه مع أنها كانت موادعة مهادنة – لأنه – صلى الله عليه وسلم – لما قدم المدينة وادع جميع اليهود الذين كانوا بها موادعة مطلقة – فإذا كان هذا في أهل العهد فمن لم يكن له عهد من المحاربين أولى بالقتل. (ينظر: أحكام أهل الذمة 3/1404).

– عن ابن عباس رضي الله عنهما: “أن أعمى كانت له أم ولد -غير مسلمة- تشتم النبي – صلى الله عليه وسلم – وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فلا تنزجر، قال: فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي – صلى الله عليه وسلم – وتشتمه فأخذ المِغْوَل (شبه سيف قصير يشتمل به الرجل تحت ثيابه، وقيل: هو حديدة دقيقة لها حد. [لسان العرب] ) فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فوقع بين رجليها طفل فلَطَّخَت ما هناك بالدم (لوّثت ما هناك من الفراش)، فلما أصبح ذُكِر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجمع الناس فقال: أَنْشُد الله رجلاً فعل ما فعل لي عليه حق إلا قام. فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، وكانت بي رفيقة، فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ألا اشهدوا أن دمها هدر”. (رواه أبو داود، وينظر :عون المعبود 12/14). وجه الاستدلال: في إقراره – صلى الله عليه وسلم – الرجل على فعله وإهداره دم المرأة دليل على أن الذمية إذا لم تكف لسانها عن الله ورسوله فلا ذمة لها، ويجوز قتلها. (ينظر: عون المعبود 12/11)، وإذا كان هذا في المرأة من أهل الذمة، فالمرأة من أهل الحرب من باب أولى.

(وينظر للتوسع: المنتقى شرح الموطأ 7/210، روض الطالب مع شرحه أسنى المطالب 4/225-226، المغني 9/231، أحكام أهل الذمة 3/1398، المحلى 12/431).

الحالة الثالثة: في الإغارة على العدو إذا لم يمكن التمييز بين من يجوز قتله ومن لا يجوز قتله:كما في التبييت، وشن الغارات ليلاً ونهاراً، والرمي بالأسلحة التي تقتل الجماعات كالمنجنيق، والصواريخ، والقنابل، وغيرها من الأسلحة الحديثة. وللعلماء في جواز قتل المدنيين الحربيين في هذه الحالة، قولان:

القول الأول: الجواز. وهو قول عامة أهل العلم، ومنهم الأحناف والمالكية -وهو الصحيح من مذهبهم على تفصيل عندهم- والشافعية والحنابلة. ومن أدلة القول الأول ما يلي:

– قوله تعالى: { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) } [التوبة:5]. وجه الاستدلال: في قوله تعالى: (واحصروهم) دليل على جواز حصر الكفار في حصونهم ومدنهم وإن كان فيهم من لا يجوز قتله من النساء والصبيان. (ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3/121).

– روى البخاري ومسلم عن الصَّعْب بن جَثّامة- رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يُسأل عن الديار من ديار المشركين فقال: “هم منهم”. هذا لفظ البخاري، وعند مسلم:”هم من آبائهم”. (رواه البخاري، ومسلم).

قال ابن حجر: “ومعنى البيات المراد في الحديث أن يغار على الكفار بالليل بحيث لا يميز بين أفرادهم”. وجه الاستدلال: أنه – صلى الله عليه وسلم – لما لم ينه عن الغارة التي يصيبون فيها الولدان والنساء الذين يحرم القصد إلى قتلهم، دل ذلك على أن ما أباحه في هذه الحالة إنما هو لمعنى غير المعنى الذي من أجله منع قتل النساء والصبيان في الأحاديث الأخرى، فالذي منعه في تلك الأحاديث هو القصد إلى قتل النساء والولدان، والذي أباحه هنا هو القصد إلى المشركين، وإن كان في ذلك تلف غيرهم ممن لا يحل القصد إلى تلفه، وبهذا تجتمع الأدلة. (ينظر: فتح الباري 6/147، وينظر : شرح معاني الآثار 3/223).

– عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان عهد إليه فقال: “أغِرْ على أُبْنَى (موضع بالشام) صباحاً وحرِّق”. ( رواه ابن ماجه، وابن أبي شيبة في المصنف، وأحمد، وأبو داود). وجه الاستدلال: إن أمره – صلى الله عليه وسلم – بالإغارة والتحريق يدل على أن مثل هذا الفعل مباح مطلوب أو مأمور به وإن ترتب عليه هلاك بعض من لا يجوز قتله لعدم الاستطاعة على الامتناع عنه. وما لا يستطاع الامتناع عنه فهو عفو لا يلزم به تبعة في الدنيا ولا في الآخرة. (ينظر: شرح السير الكبير 4/1467-1468).
– المعقول، وبيانه: أنه لا يمكن التوصل إلى قتل العدو المحارب في هذه الحالة إلا بقتل مدنييه. ومن المقرر أن من كان له أخذ شيء، وفي أخذه تلفٌ لغيره، يجوز له القصد إلى أخذ ما له أخذه. قال الطحاوي: “وقد روي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، في الذي عض ذراعه رجل، فانتزع ذراعه فسقطت ثنيتا العاض، أنه أبطل ذلك وتواترت عنه الآثار في ذلك. فلما كان المعضوض نزع يده، وإن كان في ذلك تلف ثنايا غيره، وكان حراما عليه القصد إلى نزع ثنايا غيره بغير إخراج يده من فيه، ولم يكن القصد في ذلك إلى غير التلف، كالقصد إلى التلف في الإثم، ولا في وجوب العقل، كان كذلك كل من له أخذ شيء، وفي أخذه إياه تلف غيره، مما يحرم عليه القصد إلى تلفه كان له القصد إلى أخذ ما له أخذه من ذلك وإن كان فيه تلف ما يحرم عليه القصد إلى تلفه فكذلك العدو، قد جعل لنا قتالهم، وحرم علينا قتل نسائهم وولدانهم. فحرام علينا القصد إلى ما نهينا عنه من ذلك، وحلال لنا القصد إلى ما أبيح لنا، وإن كان فيه تلف ما قد حرم علينا من غيرهم، ولا ضمان علينا في ذلك”. (ينظر: شرح معاني الآثار 3/223). (وكذا ينظر للتوسع: المبسوط 10/32، شرح معاني الآثار 3/223، حاشية الدسوقي 2/177، منح الجليل 3/149، الأم 4/252-253، مغني المحتاج 6/ 30، المغني 9/230، الإنصاف 4/126).

القول الثاني: عدم الجواز والمنع. وهو قول مرجوح عند المالكية، ذهب إليه ابن القاسم. ومن أدلة القول الثاني ما يلي:

– عموم الأحاديث الدالة على عدم جواز قتل النساء والصبيان، وقد تقدم ذكر شيء منها. ونوقش هذا الاستدلال بأن هذه الأدلة محمولة على التعمد لقتلهم. قال أحمد: أما أن يتعمد قتلهم، فلا. قال: وحديث الصعب بن جثامة بعد نهيه عن قتل النساء; لأن نهيه عن قتل النساء حين بعث إلى ابن أبي الحقيق. وعلى أن الجمع بينهما ممكن، يحمل النهي على التعمد، والإباحة على ما عداه. (ينظر: المغني 9/230).

– المعقول، وبيانه: أنه يمنع قتل النساء والصبيان مراعاة للغانمين وما لهم في الذراري والنساء من حق السبي. (ينظر: الشرح الصغير مع حاشية الصاوي 2 /277).

ويناقش هذا الاستدلال من وجهين: أولاً- أن هذا التعليل غير مسلم، إذ إن مقاصد الجهاد وهي أصل في هذا الباب لا يمكن أن تعارض بحق الغانمين في الغنائم أو السبي الذي هو حق تبعي. وعلى هذا فإنه إذا لم يتوصل إلى قتل العدو إلا بقتل هذه الفئات فلا مانع من هذا الفعل، لأنه يحقق مقصداً من مقاصد الجهاد وهو قتل العدو والتنكيل به. وثانياً- أنه على فرض التسليم بصحة هذا التعليل فإنه عليل لمعارضته الأحاديث المتقدمة وهي صريحة في الدلالة على الجواز. والله أعلم.

الترجيح:مما تقدم عرضه من الأدلة والمناقشات يظهر أن الراجح من القولين – والله أعلم – هو القول الأول القائل بجواز قتل المدنيين الحربيين في الغارات والتبييت إذا لم يمكن التمييز بين من يجوز قتله ومن لا يجوز قتله، بحيث يقصد في الرمي من يجوز قتله. وذلك لقوة أدلة هذا القول، وسلامتها من الاعتراضات القادحة، وضعف أدلة القول الثاني. (وينظر للتوسع: منح الجليل 3/149، حاشية الصاوي على الشرح الصغير 2/277).

الحالة الرابعة: تترس الحربيين المقاتلين بالحربيين المدنيين

اختلف العلماء في جواز قتل الكفار الحربيين المقاتلين إذا تترسوا بالمدنيين منهم، كالنساء أو الصبيان ونحوهم، على قولين:

القول الأول: جواز رمي الترس من الحربيين المدنيين مطلقاً ولو أدى إلى قتل مدنييهم. وهو قول الحنفية، والحنابلة، والمعتمد عند الشافعية. ومن أدلة هذا القول ما يلي:

1 – مجموع الأدلة المتقدمة في الحالة السابقة (الإغارة والتبييت) فإنها تدل على جواز قتلهم في التترس، إذ المعنى المبيح للقتل ظاهر في الحالتين. ووجه ذلك: أنه متى كان الامتناع عن قتل من لا يجوز قتله يعطل مقصداً من مقاصد الجهاد، كما لو لم يمكن قتل المحاربين إلا بقتل هؤلاء، فإنه يجوز قتلهم تبعاً بحيث يقصد بالرمي المحاربين دون غيرهم.

2 – المعقول، وبيانه من وجهين: أولاً: أنه لو حرم رمي الترس لاتخذ الكفار هذا ذريعة إلى تعطيل الجهاد، أو حيلة إلى استبقاء القلاع لهم، وفي ذلك فساد عظيم. ومن المعلوم أنه متى علم الكفار أنهم سينجون من المسلمين بتترسهم بالنساء والذراري فإنهم سيلجأون إلى هذه الحيلة فلا يتمكن المسلمون من قتالهم ما داموا على ذلك، وفي هذا الأمر مفسدة عظيمة، لأنه يؤدي إلى انقطاع الجهاد. (ينظر: تحفة المحتاج 6/31، و المغني 9/231). وثانياً: أن تحريم رمي الكفار إذا تترسوا بنسائهم وذراريهم إنما هو من باب الاحتياط للنساء والذرية لئلا يؤدي الرمي إلى قتلهم، وجواز رميهم إذا تترسوا إنما هو للاحتياط لنا لئلا يؤدي الامتناع عن رميهم إلى تسلطهم على المسلمين، وتغلبهم على جيشهم، ونكايتهم به، فالاحتياط لدماء المسلمين أولى من الاحتياط لمن لا يجوز قتله من الكفار. (ينظر: تحفة المحتاج 6/31. و ينظر للتوسع: شرح معاني الآثار 3/223، والمغني 9 / 231، وتحفة المحتاج 6/31، أسنى المطالب 4/191، الأحكام السلطانية للماوردي ص:51).

القول الثاني: منع وتحريم رمي الترس من الحربيين المدنيين إلا حال الضرورة. وهو قول المالكية، وخلاف المعتمد عند الشافعية. ومن أدلة هذا القول الثاني ما يلي:

1 – علل المالكية عدم جواز قتل النساء والذراري بالتعليل المتقدم في الحالة السابقة وهو: مراعاة حق الغانمين. قال الخِرَشي: “العدو إذا تترسوا بذراريهم أو بنسائهم بأن جعلوهم ترساً يتقون بهم فإنهم يتركون لحق الغانمين إلا أن يخاف منهم فيقاتلوا حينئذ”. (ينظر: شرح الخرشي على خليل 3/114). ونوقش هذا الاستدلال بما تقدم ذكره، وهو أن حق الغانمين المذكور لا يصح أن يعارض المقصود من الجهاد.

2 – يعلل الشافعية -في القول غير المعتمد- عدم جواز رميهم، بأنه لو جاز رميهم لأدى إلى قتلهم من غير ضرورة وقد نهينا عن قتلهم. (ينظر: تحفة المحتاج 6/31).

ونوقش هذا الاستدلال بأنه لا ريب أننا منهيون عن قتلهم ابتداءً كما تقدم. وأما قتلهم في هذه الحالة فإنه إنما يكون تبعاً، وفي حال لا يمكن التوصل فيه إلى قتل من يجوز قتله إلا بهذا العمل، وبهذا التفريق يمكن الجمع بين نصوص النهي عن قتلهم، والنصوص التي ورد فيها قتلهم كما تقدم (ينظر: شرح معاني الآثار 3/223).


الترجيح: بالنظر في أدلة القولين يتبين أن الراجح -والله أعلم- هو القول الأول القائل بجواز رمي المقاتلين الحربيين حال تترسهم بمدنييهم، بحيث يقصد بالرمي المقاتلين دون المدنيين. نظراً لقوة أدلة هذا القول، وتمشيه مع مقاصد الجهاد في الشريعة. (وينظر للتوسع: شرح الخرشي على خليل 3/114، و تحفة المحتاج 6/31).

الحالة الخامسة: المعاملة بالمثل

صرح عدد من أهل العلم بجواز رد اعتداء المعتدي بمثل اعتدائه، وإن كان ابتداؤه لهذا الفعل غير مشروع.
قال الباجي: “وأما ضرب أوساط رؤوسهم بالسيف فلا يجوز ذلك إلا قبل الأسر لهم في نفس الحرب، وأما بعد أسرهم والتمكن منهم فلا ينبغي أن يمثل بهم ولا يعبث في قتلهم، ولكن تضرب أعناقهم صبراً إلا أن يكونوا قد فعلوا بالمسلمين على وجه التمثيل فيعمل بهم مثله” (ينظر: المنتقى شرح الموطأ 3/168).

وقال ابن تيمية: “فأما التمثيل في القتل فلا يجوز إلا على وجه القصاص، وقد قال عمران بن حصين رضي الله عنهما: ما خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة. حتى الكفار إذا قتلناهم، فإنا لا نمثل بهم بعد القتل، ولا نجدع آذانهم وأنوفهم، ولا نبقر بطونهم إلا أن يكونوا فعلوا ذلك بنا، فنفعل بهم ما فعلوا، والترك أفضل” (ينظر: السياسة الشرعية /110).

وقال ابن القيم: “وقد أباح الله تعالى للمسلمين أن يمثلوا بالكفار إذا مثلوا بهم وإن كانت المثلة منهياً عنها، فقال تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (النحل: 126)، وهذا دليل على أن العقوبة بجدع الأنف وقطع الأذن وبقر البطن ونحو ذلك هي عقوبة بالمثل ليست بعدوان، والمثل هو العدل”. (ينظر: حاشية ابن القيم 12/180).

ومن الأدلة على جواز المعاملة بالمثل ما يلي:

1 – قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (البقرة: 194).

2 – قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (الشورى: 39-40).

3 – قوله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ.(النحل: 126) وقد جاء في سبب نزول هذه الآية عن أبي بن كعب قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً ومن المهاجرين ستة فيهم حمزة فمثلوا بهم. فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنُرْبِيَنَّ عليهم. قال: فلما كان يوم فتح مكة فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}. فقال رجل: لا قريش بعد اليوم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : كُفُّوا عن القوم إلا أربعة. (رواه أحمد، والترمذي)

قال القرطبي: “أطبق جمهور أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة في يوم أحد” (ينظر: تفسير القرطبي 10/201).

وقال أبو بكر الجصاص في هذه الآية: “نزول الآية على سبب لا يمنع عندنا اعتبار عمومها في جميع ما انتظمه الاسم، فوجب استعمالها في جميع ما انطوى تحتها”. (ينظر: أحكام القرآن للجصاص 3/286).
وقد اختلف أهل التفسير في الآية هل هي محكمة أو منسوخة؟ واختار الطبري أنها محكمة، وأن الأمر فيها لمن عوقب من المؤمنين بعقوبة أن يعاقب من عاقبه بمثل الذي عاقب به إن اختار عقوبته، وأن الصبر على ترك عقوبته خير له. (ينظر: تفسير الطبري14:197).

4 – من السنة: ما في الصحيحين عن أنس – رضي الله عنه – : “أن ناساً من عُكَل وعُرَينة قدموا المدينة على النبي – صلى الله عليه وسلم – وتكلموا بالإسلام، فقالوا: يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة (استثقلوها ولم يوافق هواؤها أَبدانهم) فأمر لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بذَودٍ (الذَّود من الإبل: ما بين الثنتين إلى التسع، وقيل ما بين الثلاث إلى العشر) وراعٍ، وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحَرَّة كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعي النبي – صلى الله عليه وسلم – واستاقوا الذود. فبلغ النبي – صلى الله عليه وسلم – فبعث الطلب في آثارهم، فأمر بهم فسَمَروا أعينهم وقطعوا أيديهم، وتُرِكوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم” ( رواه البخاري).

وعند مسلم عن أنس – رضي الله عنه – قال: “إنما سَمَل النبي – صلى الله عليه وسلم – أعين أولئك (سَمَل أعينهم: أي فَقَأها بحَديدةٍ مُحْماة أو غيرها، وقيل: هو فَقْؤُها بالشوك وهو بمْعنى السَّمْر) لأنهم سملوا أعين الرِّعاء” (رواه مسلم).

وجه الاستدلال: في فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – دليل على جواز المماثلة في العقوبة والقصاص، وأن ذلك ليس من المثلة المنهي عنها. ( ينظر: فتح الباري 1/341) وقد يناقش الاستدلال بالأدلة المتقدمة من القرآن والسنة بأنها إنما تفيد معاقبة المعتدي بمثل اعتدائه على وجه لا تتعدى فيه العقوبة إلى غيره، أما قتل المدنيين من الكفار فإن فيه تعدياً على أبرياء معصومي الدم لم يصدر منهم ما يوجب العقوبة، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الإسراء: 15]. ويجاب عنه: بأن النهي عن قتل المدنيين الحربيين لا يعني أن دماءهم معصومة مطلقاً، ولا يخرجهم عن كونهم من الحربيين، وإنما نُهِينا عن القصد إلى قتلهم لكونهم في الغالب ليسوا من أهل الممانعة والمقاتلة، فليس في قتلهم مصلحة للجهاد، والله تعالى أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق ودفع فتنة الكفر. ( ينظر: السياسة الشرعية / 165 والآية في سورة [ البقرة: 193 ]، وعلى هذا فإنه متى ما ترتب على الكف عن المدنيين إخلال بمقاصد الجهاد، فلا اعتبار للنهي عن قتلهم كما تقدم بيانه في صور الإغارة والتترس ونحوها.

ومن المعلوم في عرف الحروب قديماً، أن الحرب متى نشبت بين طرفين فإن كل طرف بجميع أفراده – ولو كانوا من غير المقاتلين – يكون مستباحاً للطرف الآخر، لأن الحرب قائمة على كسر شوكة العدو، والضغط عليه لإخضاعه والتغلب عليه. هذا هو الأصل في الحرب. إلا أن المحاربين قد يكفون عن التعرض لبعض فئات الطرف الآخر (كالمدنيين)، بحيث يستقر الأمر على الكف عن هذه الفئات، ويصبح عرفاً من الأعراف الحربية بين الأمم. (ينظر: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية 2/1244).

وبناء على هذه المقدمة الشرعية والعرفية، فإنه لا مانع من قتل المدنيين الحربيين إذا كان قتلهم من باب المعاملة بالمثل ورد الاعتداء، لأن مبدأ المعاملة بالمثل مبدأ متفق عليه بين الأمم، وهو ما أقرته الشريعة إذ هو مقتضى العدل.

اعداد فضيلة الشيخ أبن ابي يوسف حماد حفظه الله تعالى .

منقول .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صقر بني يس
إدارة المنتدى
إدارة المنتدى
صقر بني يس


المساهمات : 934
نقاط : 79
تاريخ التسجيل : 02/09/2019

موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين   موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالثلاثاء مارس 30, 2021 11:00 pm

السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته،
بارك اللّه فيك أخي غربه غريبه على هذا البحث المفصّل، جعله الله في ميزان حسناتك، و هو حقّا موضوع مثير للاهتمام و للدراسة و التدارس، أسأل الله أن يعيننا على مراجعته و التّمعّن فيه حتى تتمّ الفائدة، حقّا أشكرك على هذا المجهود الطيّب في البحث و التفصيل، فقد تناولت البحث من جميع أطرافه و آعتنيت بأن لا تهمل التّفاصيل، أسأل الله أن يكون الأخ الجنوبي قد وجد إجابته في هذا البحث.
بارك الله فيك أخي، و دمتم في حفظ الله، آمين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين   موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالأربعاء مارس 31, 2021 1:04 am

صقر بني يس كتب:
السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته،
بارك اللّه فيك أخي غربه غريبه على هذا البحث المفصّل، جعله الله في ميزان حسناتك، و هو حقّا موضوع مثير للاهتمام و للدراسة و التدارس، أسأل الله أن يعيننا على مراجعته و التّمعّن فيه حتى تتمّ الفائدة، حقّا أشكرك على هذا المجهود الطيّب في البحث و التفصيل، فقد تناولت البحث من جميع أطرافه و آعتنيت بأن لا تهمل التّفاصيل، أسأل الله أن يكون الأخ الجنوبي قد وجد إجابته في هذا البحث.
بارك الله فيك أخي، و دمتم في حفظ الله، آمين.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . وفيكم بارك الله ولكم بمثل واللهم آمين ودمت بحفظ الله أخينا صقر وشكر الله لكم أيها الأفاضل والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين   موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 6:21 pm


اشكر الأخ غربه غريبه والأخ صقر
على اثرائهم الموضوع ومشاركاتهم المتميزه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زائر
زائر
Anonymous



موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين   موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين - صفحة 4 Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 6:35 pm

الجنوبي كتب:

اشكر الأخ غربه غريبه والأخ صقر
على اثرائهم الموضوع ومشاركاتهم المتميزه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . شكر الله لك الجنوبي وأسأل الله أن ينفع بها ونعتذر من الجميع على قلة المشاركات نسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعلم الصالح يارب العالمين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
موضوع نقاشي حول قتل الأبرياء من مدنيين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 4 من اصل 4انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4
 مواضيع مماثلة
-
» موضوع للنقاش
» حسم موضوع بلد المهدي
» تعليق الشيخ ابن باز على موضوع المهدي
» امارات الساعة في موضوع الحكم
» سيدنا الامام موضوع له سحر في الهرم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الشَّامِلُ لِرُؤَى المَهْدِيِّ :: القِسْمُ العَامُّ :: المَوَاضِيعُ العَامَّةُ-
انتقل الى: