مسافة العبور إليه...!!!

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

كيفَ يَملك كُـلٌ منّا ..
سـِرّه الخاص مع الله ؟

كيفَ يَملك كُـلٌ منّا ..
سؤاله الغريب ؛ كيف أتَى هذا ؟

كيفَ يَملك كُـلٌ منّا ..
لحظةَ زكريا ؛ { أنّى لي هذا } ؟

وكيفَ كنا نحمل أحلامَنا إليه ؛ وقَـد كادتْ على بـاب الأُفـول تَقِف ..
وقـد أوشَكت أن تُسلب !

تلك ذكرياتٌ خَـلت ..
كان أصعب ما فيها ؛ أن تمرّ بك النّهارات لا مبالية ..
ويَهزمك الصَباح ؛ إذْ يجيءُ من الإجابة فارغا !

تتضوّر حوائجك للإجابة جُوعا ..
وماترى الأسباب ؛ إلا طَـوق جناحها !

وَ والله ..
إن بعض الَليالي ـلو تنطقُ ؛ لقالتْ :
كم كانت النَوافذ فـي وجهنا حينها خَرساء !

كان الوقتُ يمضي عبر جراحنا ..
وكلّما توغّلنا في الأيام ؛ أخبَرتْكَ الأيـام :
أنّه لا سبيل إلى الأحلام ..
لا سبيل إلى الجَمْع !

في زمنٍ مـا من تاريخك ..
تَفقِدُ الغيمات ظِلّها ..
وتتعرف على مذاق الإحساس البائس !

في زَمنٍ ما مـِن تاريخك ..
تبدو التفاصيل كُلها ؛ مخنوقة ..
وفيها حَشرجة المَـوت !

في زمنٍ ما من تاريخك ..
تحملُ انكساركَ ؛ وتتصدّع !

وفـي لحظةٍ ما مـن المشيئة الإلهية ..
يُصبح هذا الزمن المُنتهي ؛ ذكـرى ..
إذا مسَستها ؛ هزّت فيك جذع الوجَع طويلا ً!

هَـل تذكر ..
كيفَ كنت ترى الإنتظار ؛ باهتاً ممسوساً بلون المَشيب !

كيف كُنت تحرثُ الفَراغ ؛ فَـلا ينبت لك إلا صَمت الإنتظار !

وكيفَ كان كُل صوتك ؛ غارقاً في التوسّل لله !

وكيفَ كنت تَسهر على شمعةِ يقينك ؛ تُوقدها بتكرار الدعاء ..
وتخشى ذاتَ ليلةٍ ؛ أن تفقدها !

وكيف كنت تصرخ يَـاربّ ..
لا تجعلني فريسةً لليأس !

يـا لله ..
كُنت كثيراً ما أخافُ ؛ أن يَخذلنـي صَبري !

مَن ذا الذي لا يخافُ مِن ذاته ..
مِن تراكم جروحه ..
مِن وخـزِ الهزيمة ..
ومِن صمت الفراغ القاتل !

كُنت أناجيه :
لستُ نبياً يـا مولاي ..
وإنّما أنا روحٌ مؤمنة ..
وأخشَى فـي اللحظات الدامية ؛ الإنزلاق !

يَـارب ..
الإنتظارُ عتبةً هشّة ..
لا يثبت عليها ؛ إلا المُتّصلون بك !

تَضُجّ إليه فجأةً بكلّ الجزع .. فَيُسلمكَ إليه !

لكنّك لا تراه ..
فقط ؛ ترى دُعـاءٌ لا يَكتمل ..
ترى دُموعك الحَبيسة ؛ خلف المآقي !

ترى نفسك تَـتلو في كُل خطوةٍ ؛ طموحـك الـذي يحتضرُ بيـن يديـك !

ما أقسى ..
أن تكون واقفاً على وعدٍ عالق ..
لا تدري إنْ سَقطَ ؛ كم سيتساقط منكَ معاه ؟!

لكن فـي عَيـْن الله ؛ المسافـات قَـريبة ..
وفي أعيُننا ؛ نراها بعيدة ..
{ إنّهـم يَرونـه بعيـداً ونَـراه قـريباً } !

وبينَ المُنعطَف الأخير ؛ والشَطر الأخير في الرّحلة .. قد تُرديك شَظيّة ..
قُد تُرديك كلمة ..
قد تُرديك المسافة المُتبقية !

تلك المسافة قبلَ النُقطة النهائية ؛ تصبح فجأةً طويلةً جداً ..
كأنّها زمن الكون كُله !

هَـا أنتَ تقتربُ مـن حافـّة الإنتهاء ..
لكنّك مسكونٌ بالخوف مِن أنْ تَصِل ؛ وقد صرت كَومةَ أنقاض !

هل تَـدري ..
أن تجربة النَجاة لا يَفهمها ؛ إلا مَن عاش التجربة ..
إلا مَن كان لا يملكُ ؛ إلا صوته في مَحاريب المُناجاة ..
في امتدادِ السّحَر !

من ينسى كـُل الأوقات التـي أجبَرتـنا علـى البُكـاء ..
كُل الروائح الثقيلة ؛ التي كنّا نخشى أن تلتصقَ بنا ..
كُل الوُجوه ؛ التي كانت تُحسن نعيق الألم !

المَلامح التي تختزنُ كمّاً هائلاً مـِن الحزن المُخبَّىء ..
الرسائلُ التي عبرَت الجهات ؛ ومَـا درى أحـدٌ كَم كـان مـِدادها ينزف !

الذكريـات التي عَجِزْنا عـن تدوينها ..
فقَد كانت فَـوق الُلغة !

والأحلام التي يأسَ الشَوك من اغتيالها ؛ كيف ظلّت نَـدِيّة ؟!

بَـل ..
كيف تسلّقْتَ من أخمَص الصبر ؛ حتى شاهِق الإنتظار ..
كيفَ يمّمت نحو السماء ..
وظلّت تخضبُ الأفُق ؛ بابتهالاتِ الرجـاء ..
كيـف أورقتَ مـِن سَلسبيل الدُمـوع !

يـا لسـرِّ الأحلام ..
إذْ جعلت سُقياها مـِن مـَاء الدُمـوع !

تظَلُ في الإنتظار ..
وفجأةً دون مقدمات ؛ يتدلّى لك التأويل ..

فتنطـقُ :
هذا تأويل الدُعاء ..
{ قَد جعلها ربّي حقّا } !

فيـَا عَودَة الروح حينها ..
ويـا عَـودة المَفقود !

هَـل تعلم ..
أنك تقطفُ صَوتك في الليل ؛ حينَ يتعلّق الإيمان بالمُستحيل ..
تقطفُ هَمسك الخَفِيّ ؛ حين تؤمن بقَداسة القُدرة الإلهية !

ثمّة مسافة ؛ يُريـد الله لنا أنْ نعبُرهـا ..
والإبتلاءُ ؛ هو مَسارها !

لكنّنا بِعَجزنا ؛ نكبُر في مساحاتِ الغياب عن الله ..
وتَستهلكنا تجربة الألَم ..
ولا نَنتبه ؛ أنّها كانت مسافة العبور إليه !


*منقوووول
---------------------------------
‌‌‌‎