الوحوش المعدنية البليدة الباردة القاسية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين


قتل البراءة

لا تترك طفلك فريسة مهيضة بيد الشاشات الفضية ، أو بين أنياب الهاتف المحمول

لا تتحجج بأن هذا يكفيك مؤونة شوشرته وإزعاجه
مهما كان عمره ، ولو كان شهوراً ...
تكلم معه ... قل له أي شيء .. نمّ قدراته العقلية بالحوار ...
داعبه ، مازحه ، تكلم معه بلغة الكبار

دعه يعبث بكل ما يقع تحت يده من غير أذى ، أطلقه يتراكض مع أقرانه ، وليصدر من الضوضاء ما يشاء ، وليفرغ من الانفعالات ما استطاع

لا بدّ أن تؤدي ضريبة كونك أباً ، شيئاً من وقتك ، وقسطاً من راحتك ، وفيضاً من اهتمامك ..
لا تظنّ أنّ مشاهدته لبرامج تتكلم ولو بالفصحى ، سيغني عنه في تنمية ملكاته اللغوية ، وسيساهم في تحفيز مهاراته العقلية والاجتماعية ...

فهو يتسمر أمامها كتمثال من الشمع ، بلا تفاعل ولا تواصل فِعليّ يُحرك الحواس ويُنمّي قدراتها ، ويُكسبها تلك المهارات اللازمة لتمكينه من التعامل مع معطيات الحياة وتعقيداتها ومتغيّراتها ..
كثيرون ممن أهملوا أطفالهم في غضاضة أعمارهم ، واستودعوهم بين أحضان هذه الأجهزة الذكية ،

بل أقول؛ الوحوش المعدنية البليدة الباردة القاسية ، خسروا أجمل ما لدى هذه الكتلة البريئة الوادعة ، خسروا دفئ الإنسان .. انطفأت فيهم شعلة الأمان

تبدلت تلك الروح الناعمة ، بنفس لَقِسَة منتكسة متبرمة ساخطة ..

يقولون ألَمّ به (توحُّد) ، وما هو إلا (توحُّش) من هذا الواقع ، وغيبوبة وإلْفٌ لعالم آخر ملوّن جذاب وساحر ..

ولكنه سارق للبراءة ..
سالب للمشاعر ..
ساحق للتفكير ..
ساجن للإبداع ..

إنك يا رعاك الله ، متى ما أسلمت صغيرك إلى هذه الآلات المُصمتة بلا رقيب ولا تمييز بين غَثّها وسمينها ، فَكُن على ثقةٍ تامّةٍ بأنها ستُسْلِمُه إليك عاجزاً كَلّاً ، فارغ العقل ، خاوي الفؤاد ، واهن العزيمة ، مترنّح الروح

كلّكم راع وكُلّكم مسؤول عن
رعيته

مقتبس