.
وأصل هذا النوع من الفراسة : من الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده
فيحيا القلب بذلك ويستنير فلا تكاد فراسته تخطىء قال الله : (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا
يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها الأنعام : 122
.
كان ميتا بالكفر والجهل فأحياه الله بالإيمان والعلم وجعل له بالقرآن والإيمان نورا
يستضيء به في الناس على قصد السبيل ويمشي به في الظلم والله أعلم
.
فصل الفراسة الثانية :
فراسة الرياضة والجوع والسهر والتخلي
.
فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب
تجردها، وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ولا تدل على إيمان
ولا على ولاية وكثير من الجهال…
.
وكذلك فراسة التمييز بين الصادق والكاذب في أقواله وأفعاله وأحواله .
.
وللفراسة سببان أحدهما :
جودة ذهن المتفرس وحدة قلبه وحسن فطنته والثاني : ظهور العلامات والأدلة
على المتفرس فيه فإذا اجتمع السببان لم تكد تخطىء للعبد فراسة
وإذا انتفيا لم تكد تصح له فراسة، وإذا قوي أحدهما وضعف الآخر :
كانت فراسته بين بين
.
وكان إياس بن معاوية من أعظم الناس فراسة وله الوقائع المشهورة
وكذلك الشافعي رحمة الله وقيل : إن له فيها تآليف ولقد شاهدت من فراسة
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة وما لم أشاهده منها أعظم
وأعظم ووقائع فراسته، تستدعي سفرا ضخما..
.
أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة
وأن جيوش المسلمين تكسر وأن دمشق لا يكون بها قتل عام ولا سبي عام
وأن كلب الجيش وحدته في الأموال : وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة
.
ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام :
أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك
أكثر من سبعين يمينا فيقال له : قل إن شاء الله فيقول :
إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا
.
وسمعته يقول ذلك قال : فلما أكثروا علي قلت :
لا تكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ : أنهم مهزومون في هذه الكرة
وأن النصر لجيوش الإسلام قال : وأطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر
قبل خروجهم إلى لقاء العدو وكانت فراسته الجزئية في خلال هاتين الواقعتين مثل المطر
.
ولما طلب إلى الديار المصرية وأريد قتله بعد ما أنضجت له القدور وقلبت له الأمور :
اجتمع أصحابه لوداعه وقالوا : قد تواترت الكتب بأن القوم عاملون على قتلك فقال :
والله لا يصلون إلى ذلك أبدا قالوا : أفتحبس قال : نعم ويطول حبسي
ثم أخرج وأتكلم بالسنة على رؤوس الناس سمعته يقول ذلك
ولما تولى عدوه الملقب بالجاشنكير الملك أخبروه بذلك وقالوا :
الآن بلغ مراده منك فسجد لله شكرا وأطال فقيل له :
ما سبب هذه السجدة فقال :
هذا بداية ذله ومفارقة عزه من الآن
وقرب زوال أمره فقيل له :
متى هذا فقال :
لا تربط خيول الجند على القرط حتى تغلب دولته
فوقع الأمر مثل ما أخبر به …
.
الكتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله
.