يأجوج ومأجوج

الاخ الأكبر أحمد المفلح .
جزاك الله خيرا علي حسن اجتهادك .
لكن لو تقبل مني اقول لكم ان العقل له دروب كثيرة و تشعبات الفكر لا تنتهي ، لعلي طرقت باب الافكار مدة غير قصيرة و لا طويلة فرجعت منها بشيء ؛ كل الطرق سواء في تميزها عن غيرها ، اقصد ان السائر بين شعابها لن يجد في طريق بذاته علامة تنهاه او تجره إلا بما وجد في نفسه من ميل لهذا الطريق او انقباضا عنه .  فرع مما يطلق عليه epistemological nihilism , او العدمية المعرفية ، للدرجة التي لا أعرف حقا كيف اهتدى من اهتدى وسط كل هذا التشابه بين المسالك في وجاهتها و حلاوتها في نفس سالكها .
فما وجدت إلا ان الهداية من الله ، و من أسبابها " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا  "
، و الآية التي بعدها اشد عجبا ، و لا يأتي بها بعد سابقتها إلا الله العليم الحكيم ؛ " وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا "  ، ذلك ان اقتحام الافكار و التجرؤ عليها ما يحدث إلا ان ظن المرء في نفسه قدرة و استطاعة و حسب انه يقدر ، و أنه ناج وسط الشعاب و الدروب فيما هلك فيه و في متاهاته اخرون ، أسأل الله لي و لكم السلامة .

أما عن الاجتهاد عامة في امور الغيب التي ذكر لنا منها النبي ﷺ شيئا ان كان بغرض محمود كما كان يفعل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مخافة ان يدركه الشر فهذا من خير ما يجتهد فيه المرء ، أما ان كان من اجل المتعة العقلية والترفه لعل فاعله يترك و ما أراد ان قدر عليه قدر ، و ان غلبه غلبه .
و حمل الألفاظ علي غير ظاهرها او معناها القريب هو من التفسير الباطني ، و يكون فيه ما يكون في كل ظن ؛ يصيب و يخطيء ، و ارى السلامة فيه هو الاقرار بظاهره و التربص بالظن و ترقب أماراته فإن ظهرت فيكون كذلك او قريبا منه و إلا فترك الظاهر لأجل الباطن مجازفة بما في اليد لما قد لا تطاله .
أما الدجال و ياجوج و ماجوج فأمرها ثابت من السنة و القرءان الكريم ، و صرف المعنى من ظاهره الي باطن يحتاج لقرينة و بينة غير مجرد الاستحسان في نفس من يظنه ، او الاحتمال في الدليل ، فهذا يطعن في الاستدلال  و يضعف الحجة .
و ترك الكلام خير من الاكثار في زمننا هذا ، لأن الامور تشعبت و قد حمل زماننا من المستحدثات من صنايع البشر المادية و افكارهم ما نحن لا زلنا بعد بعد نتلمسه و نحاول فهمه ، فكيف بالاحاطة به بل و قياسه و انزال المعاني فيه !!
و ما ارى هذا إلا من التسرع و فرط الشوق الذي طبع عليه الانسان من التعجل ، و الفرح الذي يصيب الواحد منا ساعة ما تنير في عقله فكرة او معنى بعيد ، فإن للامر هذا حلاوة لا يزيدها القدم و مرور الزمن عليها مرارة ، بل يظل المرء يقول لنفسه " بصرت بما لم يبصروا به " حتى يترك عجبه بفكره ، إما بحجة خارجية ، او بإلجام النفس عن استمراء التلذذ بابتكار الافكار ، و بجعلها تسلك مسلكا وسطا .
و اخيرا ففيما قرأت من كلامك قول لا اره يمر ، حيث قلت :   " إن لله تسع وتسعون اسما ومنها العدل ومن البديهي أن يتساوى الفجور مع التقوى في محصلة الرغبة في النفس
فان كانت النفس راغبة في التقوى فإنها تسمو روحانيا الى مصدرها وان كانت النفس راغبة في الفجور هوت إلى السفلية الجسمانية التي أصلها التراب "  انتهى .
اقول يا اخي الكريم من هذا الذي يعرف كيف يكون عدل الله حتى يتوقعه او يقيس له ؟!  
قال تعالى " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) "  ، فكيف لنا ان نقول بعدها ان من مقتضيات العدل الإلهي - بزعمنا - ان يتساوى الفجور مع التقوى ؟!
.
هو أعلم بما وضع في نفوس العباد و ما فطرهم عليه .
إلي هنا اقف و لا أزيد ، فمن كثر كلامه كثر خطأه .
أسأل الله العفو عن زللي فيما كتبت و قصدت و فعلت .
و لعل الصواب معك و الخطأ مني ، والله اعلم .