سُنَّةُ الفجرِ هي آكَدُ السُّننِ الرَّواتبِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهب الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة (1) ، والمالكيَّة ( 2) ، والشافعيَّة (3) ، والحنابلة (4) .
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن عائشةَ رضِي الله عنها، قالت: ((لم يكُنِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على شيءٍ مِن النوافلِ أَشدَّ تعاهُدًا منْه على رَكعتَي الفجرِ )) (5) .
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ركعتَا الفجرِ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها (6) ))، وقال أيضًا: ((لهُما أحبُّ إليَّ من الدُّنيا جميعًا)) (7) .
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالتْ: ((صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم العِشاءَ، ثم صلَّى ثمانيَ ركعاتٍ، وركعتينِ جالسًا، وركعتينِ بين النِّداءينِ، ولم يكُن يَدَعُهما أبدًا (
)) (9) .
الفَرْعُ الثَّاني: صِفةُ سُنَّة الفجرِ، وما يُقرَأُ فيها والاضطجاع بعدها
المسألة الأولى: صِفةُ سُنَّةِ الفجرِ
يُسنُّ تخفيفُ سُنَّةِ الفجرِ (10) .
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخفِّفُ الركعتينِ اللَّتينِ قَبلَ صَلاةِ الصُّبحِ، حتى إنِّي لأقولُ: هل قرأَ بأمِّ الكتابِ؟ (11) )) (12) .
2- وعنها أيضًا، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي ركعتَي الفجرِ إذا سمِعَ الأذانَ، ويُخفِّفُهما )) (13) .
المسألة الثانية: ما يقرأُ في سُنَّةِ الفجرِ
يُسنُّ أن يَقرأَ في الركعة الأولى بـ: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ [الكافرون]، وفي الثَّانية: بــــــ: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، أو في الأولى: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ... [البقرة: 136] الآية في سورة البقرة، وقُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا... [آل عمران: 64] الآية في سورة آل عِمرانَ (14) .
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قرأَ في ركعتَي الفجرِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)) (15) .
2- عن ابنِ عبَّاسٍ، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ في ركعتيِ الفجرِ: قولُوا آمنَّا باللهِ وما أُنزِل إلينا. [البقرة: 136]، والتي في آلِ عمرانَ: تعالَوْا إلى كلمةٍ سواءٍ بينَنا وبينَكم [آل عمران: 64] )) (16) .
وفي رواية: عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كان يقرأُ في ركعتَي الفجرِ في الأُولى منهما: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا [البقرة: 136] الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 52] )) (17) .
المسألة الثَّالثة: الاضطجاعُ بَعدَ سُنَّةِ الفَجرِ
اختلف أهلُ العِلمِ في حكم الاضطجاعِ بعدَ ركعتَي الفجرِ على أقوالٍ، أقواها قولان:
القول الأوّل: يُسنُّ الاضطجاعُ (18) بعدَ ركعتَي الفجرِ (19) ، وهذا مذهبُ الشافعيَّة (20) ، والحنابلةِ على الأصحِّ (21) ، وبه قالت طائفةٌ مِن السَّلفِ (22) .
الأدلة من السُّنَّة:
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صلَّى ركعتَي الفجرِ اضطجَعَ على شِقِّه الأيمنِ )) (23) .
2- وعن عائشةَ رضى الله عنها، قالت: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي فذكرتْ صلاةَ الليلِ، ثم قالت: فإذا سكَتَ المؤذِّنُ من صلاة الفجرِ، وتبيَّن له الفجرُ، قام فركَعَ ركعتينِ خفيفتينِ، ثم اضطجعَ على شِقِّه الأيمنِ، حتى يأتيَه المؤذِّنُ للإقامةِ )) (24) .
القول الثاني: لا يُشرَعُ الاضطجاعُ بعدَ ركعتي الفجر، وهذا مذهبُ الحنفيَّة (25) ، والمالكيَّة (26) ، وروايةٌ عن أحمد (27) ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلف (28) ، وهو قولُ جمهورِ العلماءِ (29) ، واختارَه ابنُ بَطَّالٍ (30) ، وعليه فتوى اللَّجنة الدَّائمة (31) .
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي بالليلِ إحْدَى عَشرةَ ركعةً يُوتِر منها بواحدةٍ، فإذا فرَغ اضطجَعَ على شِقِّه الأيمنِ، حتى يأتيَه المؤذِّنُ فيُصلِّي ركعتينِ خفيفتينِ )) (32) .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ مَخرجُه واحدٌ، فإذا ترجَّح أنَّ الاضطجاعَ المذكورَ فيه إنَّما كان قبلَ أذان الفجرِ، ولم يقلْ أحدٌ: إنَّ هذا الاضطجاع سُنَّة، فكذا الاضطجاعُ بعدَ الركعتينِ (33) .
2- عن عائشةَ رضى الله عنها، قالت: ((كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا صلَّى ركعتَي الفجرِ، فإنْ كنتُ مستيقظةً حدَّثَني وإلَّا اضطجعَ (34) )) (35) .
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ هذا يدلُّ على أنه ليس سُنَّةً، فتارةً كان يَضطجِعُ قبلُ، وتارةً بعدُ، وتارةً لا يضطجعُ (36) .
ثانيًا: أنَّ الاضطجاعَ - على تقديرِ ثُبوتِه - لم يكن على سبيلِ القُربة، وإنَّما هو من الأفعالِ الجِبليَّة التي كان يفعلها للاستراحةِ وإجمام البَدنِ، لا سيَّما على مذهبِ مَن يرى أنَّ الفعل المجرَّد إنَّما يدلُّ على الإباحةِ خاصَّةً