عن توهم المهدوية .

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
فهذا طرح مني ووجهة نظر شخصية لا أنسب ما فيها من خطأ و شر إلا إلى نفسي و الشيطان.
ابدأ بالقول ان المهدي نبوءة نبوية شريفة ، أخبر بها النبي ﷺ و لابد ستقع و تكون علي الوجه الذي أخبر بها ﷺ بتمامه .
" لو لم يبقَ منَ الدُّنيا إلَّا يومٌ لطوَّلَ اللَّهُ ذلِكَ اليومَ حتَّى يَبعثَ فيهِ رجلًا منِّي - أو من أَهْلِ بيتي - يواطئُ اسمُهُ اسمي ، واسمُ أبيهِ اسمُ أبي يملأُ الأرضَ قِسطًا وعدلًا ، كما ملئت ظُلمًا وجَورًا . وفي لفظٍ لا تذهبُ - أو لا تَنقضي - الدُّنيا حتَّى يملِكَ العربَ رجلٌ من أَهْلِ بيتي ، يواطئُ اسمُهُ اسمي
الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داود
الصفحة أو الرقم: 4282 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح
التخريج : أخرجه أبو داود (4282) واللفظ له، والترمذي (2231) مختصراً "

النقطة الثانية :
توهم المهدوية .
و هي لفظ يشمل تحته درجات من الظن .
فأما الفكر العارض الذي هو اشبه بالنزغ ، كفكرة ان يحلم احدهم لدقائق مثلا أن يكون خارق القوة أو شديد الغنى أو غيره مما يعلم في قرارة نفسه أنه محال، فهذا مما لا مجال للحيال دون وقوعه . فليس ما اقصده .
و غيره ان يتمنى المرء هذا لنفسه مع علمه انه ليس هذا أبدا ، فهذا فيه أمران ، إن تمناها لما فيها من خير الاخرة ، وهو ان يكون ذاك الرجل العابد الذي يحبه رسول الله ﷺ و تحبه الأمة ، فهذا من الخير لأن جوهره هو طلب الهداية و إن أخطأ صاحبه في اعتقاد انه يشترط لها ان يكون هذا الرجل بعينه ، و مثل هذا تمني ان يكون احدنا واحدا من الصحابة او في زمنهم ويفعل فعلهم و يكون مثلهم في الإيمان و الدرجة .
و هذا النوع من الوهم لا خطر منه ما دام صاحبه يعلم أنه دون ذلك ، و ان هذا مجرد امنية و حلم.
و الوجه الثاني فيه هو تمني المهدوية لأغراض تخص الامارة و الدنيا و حيازتها ، فهذا لا داع للاكثار من الكلام في ضلال صاحبه ، فمنطقه معيب اصلا .

و النوع الثالث من التوهم هو ظن يجيء و يذهب بصاحبه حول استحقاقه لها و لا يزال به حتى يبلغ به اليقين ، فهذا مفتون يوشك ان يهلك .
و ان كان بعض هؤلاء مرضى نفسيون يعانون مما يسمى بضلالات العظمة ، شفاهم الله .
و بعضهم الآخر واقع تحت سحر او تسلط للشياطين حتى تضله .
ووجه الضلال في هذا المسار و الطريق هو اعتقاد الاستحقاق .
فهذا الظن يخفي تحته إفراط في حسن الظن بالنفس و العجب بالعمل مما قد يفسد كل عمل صالح و لا حول و لا قوه الا بالله .

و لهذا الصنف من المتوهمين أحب أن ابعث بهذه الرسالة .
اعلم اخي يرحمني الله و إياك أن أمر المهدي و تعين ذلك الشخص بزمنه و مكانه و اسمه و رسمه قد سبق في علم الله ، فلا مجال لتحصيله بالعمل و لا التنافس عليه .
و إن احزنك هذا ، فأعلم أن العمل إنما يبتغى به وجه الله و رحمته فإن طلبت به أمرا معينا دون هذا فقد خدعت نفسك و الله لا يُخدع .
و أعلم ان الهدى و رضا الله عز وجل ليسا حكرا علي المهدي ، بل يصيب بهما من يشاء من عباده ، فاطلب رضا الله و هدايته و لا تطلب المهدوية .
و أقول أيضا ؛ اعتقادي الشخصي هو ان المهدي لا يشك في نفسه و لا يظن في نفسه انه أهلا لها اصلا ، بل و دلت الاحاديث انه يبايع مكرها ، و لو سبق له من قبل البيعة أن اعتقد انه المهدي لم يكن ليتأخر عنها ساعة البيعة او ينكرها و إلا كان عاصيا لأمر رسول الله ﷺ ، رافضا لحمل الأمانة متأخراً عن طاعة و هذا محال في رجل كهذا .
بل المهدي انما هو لقب لا يصح في حق أحد حتى يجلس علي كرسي الخلافة و يبابع بعد آية الخسف بالجيش الذي يغزوه .
و سيبقى حتى وقتها مجهولا غير معلوم لعامة الناس .
و من زعم انه من خاصتهم و عنده علم فليأت بدليل بين لا شك فيه فإن لم يملك فالصمت مساره حتى يأذن الله بغير هذا .
طيب ، ماذا عن الرؤى التي تتحدث عن حياته و خلاف هذا من شؤونه ؟!
اقول: ليست لك أيها القاريء، و لا أبالي ان كان من يقرأ كلامي هو من يعلم الله انه سيكون المهدي ، ليست لك ، و علي الأصح ليس لك ان تعتقد في نفسك انها لك .
أنا اعلم يقينا ان المهدي الحقيقي في غناية عن كلامي هذا ، فالظن به خيرا ان ما عنده من التقوى قد حسم له هذه الظنون منذ مدة ان كانت مرت به اصلا .
لكن لعل من الحكمة في هذه الرؤى و مثيلاتها هو كونها احد اختبارات المهدي ، بل لعلها اختباره الاخير ، و هو ان يكون برغم هذا الزخم من الرؤى و القنوات التي تطلبه ، أنه لا يقع في فخ تزكية نفسه او العجب بها ،فلا يزال ينكر نفسه و هكذا هو فاعل باذن الله- ان كان من الأحياء - حتى تأتيه البيعة مكرها منكرا لمقام نفسه .
و في الرؤى هذه رسالة لكل مسلم ان المهدي انما هو رجل يصيبه مثل ما يصيب بعضكم ، و تعتريه أحوال كما تعتريكم ، فنعلم جميعا انه إنما زكى و اهتدى بفضل الله لا بعمله و لا تفرد له في ذاته ، بل يصيب و يخطيء كبشر ، و لكن يشاء الله له هداية و توفيقا و يعطيه الملك و الهداية .
و من فوائد تلك الرؤى ايضا ان يعلم من كان بعض حاله كحال المهدي من بلاء و شقاء رغم تحريه حسن العمل أن الله سميع بصير و أن يستبشر خيرا لنفسه و ان الله لا ينسى أصحاب البلاء ، فالمهدي مثال ينوب عن سائر المبتلين من الصالحين .
و من فوائدها أيضا ؛ ان ينشأ جيل يجتهد كاجتهاد المهدي و يصبر كصبره و يسلك دربه ، دون ان يتشرط علي الله ان يجعله بذلك صاحب الرياسة و الملك ، فيجد في الرؤى صبره و شكره علي الضر ، و تضرعه و رجاءه فيقلده في اتباعه لسيرة النبي ﷺ و في سلوك منهاج الصلاح ، و من يدري لعل الله يصلح المهدي و يصلح له قلوبا شتى اجتهدت كاجتهاده ، فشملتهم الهداية و زاد عنهم بالإمارة او ما شاء الله دون ذلك ، فمن عجز ان يكون المهدي ، فلا يعجز ان يكون مهديا .
و اخيرا اقول ، لو صدق الظن فعلا و كان المهدي حيا يرزق ، فاعلم ان النجاة في سلوك نفس مسلكه ، ألا و هو دفع أوهام الاستحقاق و ظنون صلاح النفس و تزكيتها أمام نفسها و ربها و تجنب العجب بالعمل .
و لا يجب ان يكون هذا من باب التواضع الزائف و الانكار الظاهر الذي ما زال قلب صاحبه يرجو ان يكون تواضعه مطية لبلوغها ، بل علي وجه اليقين انه ليس لها أهلا .
فإن فعل هذا بريء بإذن الله من الاوهام و الظنون الي الرضا بالله و بقسمته .
و من يكن هو صاحبها علي الحقيقة فلا يضره هذا بل ينفعه باذن الله ، فلابد ستصيبه علي غير تربص بها او طلب لها ، و ليبايعن و هو كاره كما صدق النبي ﷺ .
و من يعتقد ان بهذا سيتأخر الامر فهو بعد لم يفهم أن علم الرجل بنفسه او جهله ليس له علاقة بصيرورة الأمر إليه ، لأنه ما ينالها بمكر منه و لا علم ، بل قدر يسوقه و يسوقها الي نقطة التلاقي .

و الله اعلم بالصواب