السلام عليكم ورحمه الله وبركاته ،لتعلمو قبل قرأة الموضوع ان عيسى علمه الله التوراة والانجيل وجاء مكمل لما قبله وهاذا سبب حكمه عودته اخر الزمان ليكون حجه المهدي والاسلام على للنصارى واليهود ليدخلو الاسلام سيئأتيهم بالتوراه والانجيل وسيستخرج تابوت السكينه الذي يسمونه تابوت العهد وسيأتيهم بأثار الانبياء كله مثل عصى موسى والصحف فانه نبي ستتحرك المعجزات علا يده وسيساند بها المهدي لانه لو جأ بها المهدي لضن الكثير من الجهله انه نبي لانها خوارق وهبت من الله للانبياء ،وكذالك ان الله استوفى منه اي انه قد بلغ رسالته كامله وقضي الامر في وقت رفعه قد ختم لهم دينهم الى اخر ايه فكما كلم الناس بالمهد سيكلم الناس وهو كهل وتواتر انه سيحكم اربعون عام من بعد وفاة المهدي ونشر الاسلام بكل بقاع الارض وايضا قبل رفعه للسماء اجتمع بخير انصاره من من حفضو ما بلغهم واصاهم بتبليغ الناس وان رسالته قد ختمها وبلغها وحان ذهابه وهاذا ما حرفوه اليهود والنصار علا ما اسموه العشاء الاخير ويتقاسمون الخبز
وحرفو ما استودعه عيسى علا من اجتمع معهم بلقأه الاخير بهم ونسبو كتاب محرف لكل منهم وافترو ولاكن تأملو بما سيذكر في من شبه الله به المسيح كان جزائه الصلب ومضه نزول النبي عيسى في الإسلام ثابت بأدلة من القران الكريم والسنة النبوية وقد أجمع علماء الأمة الإسلامية بأن نزول النبي عيسى من علامات الساعة الكبرى ويجب على كل مسلم ومسلمة الإيمان بذلك فيعتقد المسلمين اعتقاداً لامِرية فيه بأن عيسى ابن مريم لم يُصلب ولم يقتل وأن رفعه الله اليه وسوف يعود آخر الزمان، والإيمان بنزول النبي عيسى من الإيمان باليوم الآخر الذي هو الركن الخامس من أركان الإيمان فقد ثبت أن النبي عيسى سوف ينزل في آخر الزمان فيقتل المسيح الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ولا يقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام أو السيف ، وقد دلت على هذا مجموعة من النصوص الشرعية . قال الله تعالى
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) الزخرف /61 . قال ابن كثير رحمه الله تعالى : " وقوله: ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ): تقدم تفسير ابن إسحاق : أن المراد من ذلك : ما بعث به النبي عيسى ، من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وغير ذلك من الأسقام ، وفي هذا نظر . وأبعد منه ما حكاه قتادة ، عن الحسن البصري وسعيد بن جبير: أن الضمير في ( وَإِنَّهُ ) عائد على القرآن ، بل الصحيح أنه عائد على النبي عيسى ، فإن السياق في ذكره ، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة ، كما قال تبارك وتعالى: ( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ) أي : قبل موت عيسى عليه الصلاة والسلام ، ثم ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) ، ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى " وإنه لعَلَم للساعة " أي : أمارة ودليل على وقوع الساعة ، قال مجاهد : ( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ) أي : آية للساعة خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة . وهكذا روي عن أبي هريرة ، وابن عباس ، وأبي العالية ، وأبي مالك ، وعكرمة ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم[1][2][3]. «وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عونا عدلٱحَكَما مقسطا» " انتهى من " تفسير ابن كثير" ( 7 / 236 ومضة مع خيرة الخلق من أولي العزم
(للنفوس التي أرهقتها الحدثان)
الحلقة الرابعة: مع كلمة الله تعالى: عيسى ابن مريم عليه السلام
مقدمة:
قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الأولى والآخرة))، قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: ((الأنبياء إخوةٌ من علات، وأمهاتهم شتى، ودِينهم واحد، وليس بيننا نبي))، وقال العلماء في معنى الحديث: "أي: أنا أخص الناس بعيسى؛ لأنه كان مبشِّرًا بي قبل بعثتي، وممهدًا لقواعد مِلَّتي، ثم في آخر الزمان متابع شريعتي[1]، وقد تمثل رسولنا الكريم به وسماه "العبد الصالح"[2]، وها نحن من بعده صلى الله عليه وسلم نتعرض لنفحات، ونستجلي ومضات سريعة في سيرته عليه السلام، كما فعلنا في الحلقات السابقة مع إخوانه من أولي العزم من الرسل - عليهم صلوات ربي وسلامه.
وبداية قد يستغرب المرءُ كونَ عيسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل، رغم قِصر مدة رسالته مقارنة مع نوح عليه السلام، وعدم تعرضه لابتلاءات عظيمة؛ (كالإلقاء في النار، والشروع في ذبح ولده بيده)، ورغم اقتصار دعوته على مجتمع واحد، فلا فرعون ولا قارون!
ولا شك أن لله تعالى حكمة إذ جعله أحدهم، حين قال عز من قائل: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ [الأحزاب: 7]؛ فهو تعالى ذكر الأنبياء، ثم عطف عليهم هذه المجموعة، وعطفُ الخاصِّ على العام يفيد أن للخاص زيادة في الفضل، كما قال علماؤنا[3]، وإن المتبصر في سيرة هذا النبي يجده واحدًا من أولي العزم من الرسل؛ لاعتبارات هامة، والله أعلم، نوجز بعضها عبر إضاءات في الدلالات التربوية والدعوية، مع السعي لاستلهام وتعلُّم دروس في ذلك العزم وتلك العزيمة، مكرِّرين ما بيناه في الحلقات السابقة من أن حديثنا عن نبي، ولسنا أنبياء، لا يمنَعُنا من الاقتداء والاهتداء وتجديد العزيمة:
الإضاءة الأولى: في دلالة المعجزات:
أول ما يَلفِت نظرنا أنه سبحانه أجرى لعيسى - عليه السلام - من المعجزات المادية ما يذهل أولي الألباب، وأولها: أن الله تعالى - عظُم شأنه - خلَقه في رحم أمه من غير أب، وأنطقه في المهد.
وهذا لم يكن مدعاة للسرور أو الغرور، وما كان عيسى ليستنكفَ عن عبادة الله تعالى، ولا ليستكبر؛ قال عز من قائل: ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ﴾ [النساء: 172]، والله هو الذي علَّمه وجعله نبيًّا، فبدَا قمة في التواضع والتذلل لله تعالى وهو يكلم الناس في المهد وكهلاً، ثم وهو يتعرض للمساءلة الشديدة - كما سنرى - في قول الله تعالى له: ﴿ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 116]، وتلك المعجزات كانت تكليفًا ومسؤولية، وما تلاها من تأليهِ الناس له بدا عبئًا ثقيلاً، جاء الوحيُ ورسالة الإسلام بتصحيحه على مدى الزمان والمكان؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ﴾ [النساء: 171]، قال المفسرون - كابن كثير -: ﴿ كَلِمَتُهُ ﴾: كن فكان، و﴿ رُوحٌ مِنْهُ ﴾: أحياه فجعله رُوحًا، وقالوا: أضيفت "الروح" إلى الله تعالى على وجه التشريف.
وأول ما أنبأ المسيح قومَه أنه "عبد الله" بمنتهى البشرية وتمامها، وأنه لولا أن "آتاه الله " و"جعله" و"أوصاه" لَمَا كان شيئًا؛ قال تعالى: ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 29 - 33].
ويرتبط بتلك الإضاءة تميزُه - عليه السلام - بأنه كان أشبهَ الأنبياء، بل الخلق قاطبة، بآدمَ عليه السلام، من حيث التخلق والوجود؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [آل عمران: 59، 60]، عبر ومضتين من نور المشكاة:
1- فكان عيسى - عليه السلام - شاهدَ بيان حي، يجدِّد إيمان الناس ويذكِّرهم، وقد جعلهم الإِلف والعادة يغفُلون عن معجزة الخلق الأولى لآدم من تراب، ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]!
ومع تذكُّر معجزة خلق آدم وعيسى - عليهما السلام - نستحضر معجزة خلقنا من جديد، وخروجنا من الأجداث كالجراد المنتشر؛ قال تعالى: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104]، فهي معجزةٌ مستمرة حتى قيام الساعة لكل من شاء أن يؤمن، ومسكين "مَن أبى"؛ ولهذا قال تعالى عن عيسى: ﴿ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ ﴾ [مريم: 21]، الناس على إطلاقهم.
2 - والوجه الآخر لربطِ عيسى ابن مريم - عليه السلام - بآدمَ هو الرد على من ألَّهَه عبر تساؤل مُفاده: كيف تؤمنون بخلق آدم أبي البشر من غير أم ولا أب، وتكفُرون بمعجزة خلق عيسى وبشريته التامة من أم بدون أب؟!
وكل هذا التشريف لم يزِدْه - عليه السلام - إلا تواضعًا، حتى وهو يعرِض عليهم معجزاته كان يجدد التذكير، ويشدد في التوجيه: أن الهدفَ هو رجوعُهم لعبادة الله وحده، وأن جميع تلك المعجزات ما كانت لتتمَّ إلا بإذن الله تعالى؛ إذ قال: ﴿ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 49].
الإضاءة الثانية في التأهيل المبكر:
كل نبي أرسل لقومه وتلقى المهمة للصَّدْع بالرسالة في مرحلة من حياته بعد بلوغ الأشد، لكن عيسى - عليه السلام - حمل الأمانة ومسؤولية الكلمة منذ اللحظة الأولى لولادته، وطَوال حياته، وحتى رفعه الله إليه، (بل وهو جنين قد بُشِّرت أمه به)؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 45، 46].
وكان أول ما نطق به كلمات يطمئن بها أمَّه، حين ناداها مهدئًا من رَوعِها: ﴿ أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ﴾ [مريم: 24]، ثم حين برَّأها وأعلن للقوم بِرَّه بها في سياق إعلان رسالتِه من المهد: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32]، فلا يكاد يرِدُ ذِكر المسيح في القرآن الكريم إلا مقرونًا بذكر أمه مريم، والله تعالى جعلهما: ﴿ آيَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 91].
وهذه الإضاءة ذكرتني بحقيقة تربوية هامة، وهي أن الطفل ينطبع بما تطبعه عليه في مرحلة مبكرة، (مع الفارق طبعًا بين عيسى ابن مريم وأي طفل)، ولقد ثبت علميًّا أن التعليم المبكر جدًّا هو أمرٌ مجدٍ، وأن الرضيع يبدأ بالتلقي منذ اليوم الأول، فيتأثر سلبًا أو إيجابًا، وهو يخزن المعلومات والمفردات مع التكرار، ويحتفظ بها لحين يستطيع استعادتها بعد بلوغه العام، سبحان الله! وهذا يمكن تطبيقه على ما تشاء، ونظرًا لسلامة الفطرة في هذا العمر، فهذه هي الفترة الذهبية التي تستبق بها كمربٍّ المؤثراتِ الضارة بالنَبْتِ الغض، والمعرقلة أو المانعة أحيانًا من تمثل الغذاء التربوي الروحي، وأشير إلى أن التطبيق المعجز لذلك والمثبت عمليًّا هو أن الطفل يستفيد من سماع القرآن الكريم منذ ولادته[4]، وهنا فالإشارة الوامضة تقول: اطبَعْ مولودك على البرِّ بوالديه أبكر ما يمكن، وربِّهِ مبكرًا جدًّا على المودة في القربى، لا سيما لأشقائه، وهو أمر يهمل مع الأسف للجيل الحاضر، وغالبًا محاولات الطبع المتأخرة تبقى ناقصةً، أو تفشل!
الإضاءة الثالثة في دور بني إسرائيل:
مما يجعَلُك تفهم لماذا عيسى - عليه السلام - من أولي العزم من الرسل: أنه أُرسِل إلى قوم من أصعب الناس مِراسًا، وأسرعهم للغدر، هم بنو إسرائيل، كما خبَرهم كليمُ الرحمن من قبل؛ قال تعالى: ﴿ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 49].
ورغم كل تلك المعجزات، ورغم نصاعة الرسالة وأنها تصديقٌ لِما قبلها مع التخفيف عليهم، ورغم وضوح الكلمة وموافقتها للفطرة السليمة، فإنهم كفروا! ولم يكتفُوا بذلك، بل بلغوا الذروة في الخسة والنذالة حينما تآمَروا لقتله بالغدر والخيانة[5]؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 52]، وكلمة "أَحَسَّ" القرآنية فيها من الدقة ما فيها؛ فهي تدل على فِراسة الأنبياء من جهة، ولكنها تدل كذلك على تلاعب بني إسرائيل ومراوغتهم وقد أسَرُّوا الغدر! وهي جِبلَّة فيهم، والعياذ بالله!
فكل ما أتاهم به عيسى ابن مريم، وقد أوجزته الآية الكريمة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران: 51]: لم يخرُجْ عن رسالة موسى - عليه السلام - من اتباع الصراط المستقيم، وعبادة الله وحده، وهو مضمون الإسلام؛ لذلك: ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 52].
والله تعالى كما فضح تآمر بني إسرائيل على نبيه عيسى - عليه السلام - حين أخزاهم ورفعه إليه، فهو يفضحهم المرة تلو المرة حتى قيام الساعة؛ قال المفسرون: "كان رفع عيسى من مكر الله بهم (أي: بني إسرائيل)؛ فإنه نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم، وترَكهم في ضلالهم يعمهون، يعتقدون أنهم قد ظفِروا بطلبتهم، وأسكن الله في قلوبهم قسوة وعنادًا للحق ملازمًا لهم، وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم التناد؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 54]".
وكم من عِبرة لنا في قصصهم وأحوالهم في القرآن الكريم، وهي عِبَر لم ترِدْ فيه لنجعل بيننا وبينها فاصلاً كأنه مسرح ونحن لا شأن لنا إلا أننا مشاهدون!، بل إن مفاصل قصصهم وتفاصيلها وردت في سور كثيرة، ومن زوايا متعددة؛ لنتبين، فنتجنب المنزلقات والمساوئ التي جعلتهم يستحقُّون غضب الله تعالى، ولعن الأنبياء بمن فيهم موسى وعيسى عليهما السلام، ناهيك عن الذلة والخزي، فهلاَّ اعتبرنا؟!
الإضاءة الرابعة: الصبر على الأنصار والأصحاب وشد العزيمة بتقوى الله (من دلالة "المائدة"):
قد يدهشك أن أولئك الحواريين[6] أقربَ الناس إلى المسيح عيسى ابن مريم، وأنصارَه المصدقين طلبوا منه معجزة ليصدقوه، تخيل هذا الموقف، بل وحددوها: مائدة من السماء، ليأكلوا منها ويعلموا أنه صدقهم؛ قال تعالى في سورة المائدة التي سُميت باسم هذه المعجزة: ﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [المائدة: 112].
موقف صعب، كفيلٌ بأن يجعل أي إنسان عادي يفقد توازنه.
وها نحن نتعلم من ذلك الرسول الكريم الصبرَ على مواجهة المصاعب (التي مهما بلغت لم تكد تقترب من هذه).
وهو مِن أولي العزم، والعزم يقتضي صبرًا وتقوى؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]، والأنبياء قدوة في تقواهم، وكذلك صبرهم، وما أكثرَ ما صبر عيسى ابن مريم! فهو - عليه السلام - صبر على أعباء الدعوة، وصبر على قلة الأتباع، وكثرةِ المكذبين وحقدهم، وصبر على كفر بني إسرائيل به، وتأليبهم الناس عليه، والغدر به، علاوة على ما رمَوْا به أمَّه مريم عليها السلام زورًا وبهتانًا، (وسيلي امتدادُ صبرِه بعد الرفع على تحريف المحرفين لرسالته، الذين ما لبِثوا أن اتخذوه إلهًا).
وها هو يصبر على طلبات المصدقين المؤمنين به، بعد أن أَوْلاهم ثقته، واطمأن إلى صدق ومتانة إيمانهم؛ فناشَدهم بتقوى الله أن يتراجعوا عن طلب تلك المعجزة العظيمة، مشفقًا عليهم مما بعد المعجزة، لكنهم أصروا: ﴿ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 112، 113]، فأقبل وقد عزم المسألة متسلحًا بتقواه وصبره يسأل الله تعالى ربَّه وربهم - كما دأب على تذكيرهم -: ﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [المائدة: 114].